التاريخ : الخميس 14 june 2012 08:06:09 مساءً
أعلم جيداً أن هذا المقال كان لابد له من أن يكتب منذ فترة وليس الآن, ولكن لحيرة الناس في الاختيار بين مرشحين أكثر الناس لا تميل إليهم الاثنين ومنهم من قرر عدم الذهاب لصندوق الانتخابات ومنهم من قرر إبطال صوته ومنهم من قرر إعطاء أخف القضائين, ومن أجل ذلك فقدأحببت أن أكتب المقال حتى لو كان متأخراً لتسهيل عملية الاختيار علي الناس من خلال مقارنة الواقع المصري بتجربتي فرنسا وتركيا في العملية الانتخابية.
ما لبثت أن انتهت الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أحد التجارب الديمقراطية الرائدة في العالم, فلقد كانت الثورة الفرنسية عام 1789 هي الملهم لتجارب الديمقراطية والحرية والليبرالية في العالم, ويعتبر النظام شبه الرئاسي المطبق في فرنسا ذو خصائص فريدة من نوعها, فتعتبر العلاقة بين الرئيس والبرلمان ومن ثم رئيس الوزراء من المعضلات الأساسية لهذا النظام نتيجة الفصل بين السلطات المطلوب مع إعطاء وظائف محددة لرئيس الجمهورية تتعلق بتعيين رئيس الوزراء من الحزب الحائز علي أغلبية البرلمان, بالإضافة إلي وظيفة ومهام إدارة السياسة الخارجية وعقد الاتفاقيات وغيرها, أما رئيس الوزراء فهو منوط به إدارة السياسة الداخلية, ولكن المشكلة تكمن في القضايا المشتركة التي قد تخلق صراع بين الأيديولوجيات الناتجة عن الاختلافات الحزبية, فهناك أحزاب اليمين والذي كان يمثلها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ومن قبله جاك شيراك, وهناك أحزاب اليسار والتي يمثلها الرئيس الحالي فرانسوا أولاند ومن قبله فرانسو ميتران, وهنا لكي يتلافي الشعب الفرنسي ظاهرة التعايش "Cohabitation الناتجة عن هذا الاختلاف الأيديولوجي وما تمثله من حالة كساد سياسي حيث يسعي كل حزب إلي تطبيق أجندته علي الساحة السياسية فقوة الرئيس تتساوي مع قوة رئيس الوزراء الذي يخرج من رحم البرلمان, فيتلافي النظام الفرنسي ظاهرة التعايش من خلال إقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في شهرين متتالين حتى يكون الرئيس والبرلمان من نفس الأيديولوجيه ونفس الحزب, فقد تم انتخاب الرئيس الاشتراكي فرانسوا أولاند في شهر مايو الماضي, وستجري الانتخابات البرلمانية في يونيو, ومن وجهة نظري كباحث فإن الشعب الفرنسي سيختار الحزب الاشتراكي ولن يخشي من هيمنة الاشتراكيين علي الحكم ولكنه يخشي من حدوث ظاهرة التعايش التي تحدث الكساد السياسي, ومدة البرلمان تكون تماماً مثل مدة الرئيس حتى لا تختلف ايديولوجية الرئيس عن البرلمان.
وأيضاً من السرد السريع السابق, ومقارنته بما حدث في تركيا في بدايات حصول حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر عليه رجب طيب أردوجان ذو الخلفية الإسلامية علي أغلبية مقاعد البرلمان وتشكيل الحكومة ثم وجدنا اصطدامه الدائم مع الرئيس العلماني السابق أحمد نجدت سيزار الذي كان يدافع عن أفكار مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفي كمال أتاتورك فكان دائم الصدام مع الإسلاميين وكان الجيش يلوح دائماً باستخدام ورقة التدخل العسكري تحت زريعة أنه حامي العلمانية التركية, ونتيجة هذه الاختلافات المستمرة فقد كان هناك كساد سياسي كبير في الحياة السياسية التركية لم يستقر إلا عندما تغير الرئيس التركي وحصل علي المنصب الرئيس ذو المرجعية الإسلامية عبد الله جول رغم معارضة أباطرة الجيش والعلمانية, وهنا بدأت تسير العلاقة في منحي آخر من الاستقرار السياسي بدلاً من الكساد والصراع ومعاملة الند بالند.
وبتطبيق فكرة التعايش علي النظام السياسي المصري, نجد أن القائمين علي إدارة العملية الانتخابية قد أخطأوا كثيراً وأدت بنا إلي احتمالية حدوث حالة من التعايش أو الكساد السياسي ناتجة عن الأسباب التالية:-
أولاً:- كما سبق أن أوضحت في العديد من مقالاتي السابقة بأن السلحة المصرية تتكون من ثلاثة تيارات سياسية أساسية وهما:-
- الإسلاميين:- مثل الإخوان والسلفيين وحزب الوسط وجماعات الدعوة الإسلامية وحزب الأصالة وحزب البناء والتنمية وغيرهم.
- الليبراليين والثوريين والعلمانين:- وهما الحركات الثورية مثل 6 أبريل والاشتراكيون الثوريون وحركات الثورة المختلفة أو الأحزاب التي خرجت من ميدان التحرير مثل المصريون الأحرار والسلام الديموقراطي أو الأحزاب التقليدية مثل الوفد والتجمع والكرامة وغيرها.
- فلول النظام السابق:- وهم ليسوا فقط أعضاء الحزب الوطني المنحل وإنما أيضاً عدد من رجال الأعمال الذين تربحوا من النظام البائد.
فنجد أن طول الفترة الانتقالية في صالح تيار علي حساب الآخر, فلو تم إجراء الانتخابات بعد تنحي المخلوع مباشرة, لكانت النتيجة تغيرت بحصول الثوار علي حصة معتبرة من مقاعد البرلمان, ولكن بعد تغير المعادلة نتيجة لطول الفترة الانتقالية فقد انقلبت الناس علي الثوار فأدت إلي حصول الإسلاميين علي أغلبية مقاعد البرلمان بشقيه, ولكن استطاع المجلس العسكري بدهاء شديد يحسد عليه من نقل الصراع بينه وبين الثوار (في ظل تحالف استراتيجي بينه وبين الإسلاميين) إلي صراع بين الثوار الإسلاميين بحجة تخويف الشعب من استحواز الإسلاميين من كل شئ وخروج الثوار خاليين الوفاض, ليظهر المجلس العسكري وكأنه ضحية النظام, وقد أدي هذا الصراع إلي نقص شعبية الإسلاميين.
ثانياً:- طول الفترة بين إجراء الانتخابات البرلمانية منذ نوفمبر الماضي وبين الانتخابات الرئاسية في مايو قد أدي إلي عدم الرغبة في اختيار مرشح من نفس الأيديولوجية الحائزة للأغلبية البرلمانية, هذا في ظل إمكانية وصول مرشح النظام السابق إلي سدة الحكم مما قد ينذر بصرا خطير وليس فقط كساد سياسي بينه وبين البرلمان الإسلامي ستجعل الأول يقوم بحل البرلمان والدعوة إلي انتخابات مبكرة قد لا يستحوز الإسلاميين علي نصف ما قد حصلوا عليه في الانتخابات السابقة, وهذ قد يشعل الصراع بين الطرفين.
وبعد أن تم مقارنة تجارب فرنسا وتركيا بما يحدث في مصر, فهذا يتطلب منا الابتعاد عن التعايش إما بانتخاب رئيس إسلامي أو في حالة وصول مرشح ليبرالي علماني فإنه ينذر بحالة كساد سياسي.
|