التاريخ : الخميس 28 june 2012 08:46:00 مساءً
يحكى أن الأمر لما استتب واستقر لمعاوية بن أبى سفيان فى حكم الدولة الإسلامية بعد صراع مرير، وحرب أهلية طاحنة، كان عمرو بن العاص حاكم مصر فى ذلك الوقت يمتلك قناعة واضحة بأنه هو الذى أجلس معاوية على عرش الدولة الإسلامية، سواء بمشاركته فى التخطيط، وتنفيذ المؤامرات، وقيادة المفاوضات، أو بنجاحه فى حسم الصراع نظريا فى واقعة التحكيم الشهيرة، التى ورط فيها أبى موسى الأشعرى، ودفعه لخلع صاحبه «على بن أبى طالب»، بينما ثبت عمرو «معاوية».
كان معاوية يدرك هذه النقطة فى نفسية عمرو، وكان الحسد المستتر يظهر فى بعض الأحيان على تصرفات عمرو وسلوكه، ويروى أنه توجه لزيارة معاوية فى حاضرة الخلافة الجديدة بدمشق، مصطحبا وفدا من المصريين، انتقاهم من أصحاب المصالح المتحلقين حوله، والنخبة القريبة من حكمه والمحسوبين على بطانته.
ولما كان عمرو يحسد معاوية ويرى أنه كان أحق منه بالخلافة لأنه الأكثر دهاء، وصاحب الدور الأبرز فى إنهاء الصراع، وتثبيت الأمر، طلب من جماعته ألا تسرف فى تبجيل معاوية وتفخيمه، وألا تخلع عليه الألقاب، وقال لهم: إن الخليفة رجل متواضع.. فلا تنادوه بأمير المؤمنين، وقولوا له: «يا عبدالله» فهو أقرب إليه وأحب، فلما دخل المصريون على الخليفة قالوا له: «السلام عليك يا نبى الله»..!!
تلك الواقعة أوردها ابن كثير فى موسوعته التاريخية «البداية والنهاية» فى معرض ترجمته لمعاوية بن أبى سفيان، وحديثه عن السنة الستين من الهجرة، وتحديدا فى الصفحة 514 من طبعة مكتبة الإيمان, منسوبة لـ«بن جرير» ويورد «بن كثير» أن «عمرو بن العاص» بعد هذا اللقاء نهر بطانته وقال لهم: «قبحكم الله.. نهيتكم أن تسلموا عليه بالخلافة فسلمتم عليه بالنبوة».
لم تكن بطانة الحكام فى مصر فى أى وقت أو تاريخ أقل أداء، من بطانة عمرو.
ومصر لا تصنع حكاما فاسدين أو طغاة، وإنما تصنعهم النخب، والبطانات، وعندما تسمع الرئيس محمد مرسى يبدأ حديثه إليك بقوله: «لن أخون الله فيكم» من حقك أن تتفاءل.. لكن عليك أن تتذكر أن سلفه بدأ أيضا بأن قال: «الكفن مالوش جيوب».
كل الذين حكموا مصر كانوا فى خطواتهم الأولى حكاما صالحين حتى فعلت بهم البطانات ما فعلت، لذلك عندما تجد التهانى «المدفوعة» تنهال على الصحف تبارك لمصر على الرئيس، وكل الديباجات التى كانت تصاغ لسلفه تعاود احتلال صفحات الصحف، وتتصدر الشاشات، لابد أن تفهم أن هذا «الجين» موجود عند أصحاب المصالح الذى يلتفون حول أى حاكم فى كل زمان، يعرفون طبعه ويسيرون عليه، وفى النهاية يبهتون عليه من طباعهم.. هؤلاء قالوا لمعاوية: «يا نبى الله».. أفلن يشيدوا بحكمة وعبقرية الرئيس مرسى؟!
|