التاريخ : الخميس 12 july 2012 12:37:49 صباحاً
اللُعبة لم تنتهِ بعد، وجرابُ الحاوي لم - ولن – يَخْل من المفاجآت ذات العيار الثقيل مستقبلا. الخداع والمناورة السياسية هما القاعدة، و"غابةُ المَرَايا" – بتعبير مايكل كيتون فى فيلم "الشركة" أحد أشهر الأفلام عن المخابرات الأمريكية - هي المسرح الذى يؤدى عليه الأشخاص غير الحقيقيين(الصِوِر) أدوارا رسمها لهم بدقة وحِرَفيّة هؤلاء القابعون فى الغرف المظلمة، القابضون على خيوط اللعبة بأسرها.
ظن كثيرون أن المشهد السياسى سيشهد إستقرارا ولو نسبيا بعد إنتهاء "صداع" الإنتخابات الرئاسية بمجىء رئيس إخوانى منتخب، ورأى البعض فى مشاهد إحتفالات تسليم السلطة وأداء المشير ورئيس أركانه التحية العسكرية للدكتور محمد مرسى إنتهاءً لمرحلة إنتقالية أنهكت البلاد والعباد، غير أن تصوُّراً مثل هذا لايمكن أن يستقر ويرسخ سوى فى عقول أطفالٍ سُذّج، فلا العسكريين سيقنعون بأداء دور الكومبارس، ولا الإخوان ستحملهم طموحاتهم السياسية وتكالبهم على السلطة على تسلم صلاحيات "منقوصة" تحول دون تنفيذ مايصبون إليه من مآرب.
فى تقرير نشرته وكالة "رويترز" بتاريخ 5 يوليو الماضى عنوانه "الرئيس المصرى والجيش..الإنسجام الظاهر لايخفى الصراع"، وصف مسئول مصرى كبير – بحسب رويترز - مايدور خلف الكواليس بين المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين بأنه "رقصة العقارب"، بينما علق دبلوماسى غربى على المشهد المصرى قائلا "إن مرسي أقر بالحاجة الى حل وسط بقبوله (رئاسة ناقصة) وإن ظلت أفضل من لاشىء".
الآن بدأت ملامح "رقصة العقارب" تتشكل فى لحظة مبكرة للغاية، متثملة فى الصراع بين الجماعة التاريخية والمؤسسة العسكرية العتيدة بعد قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب وإلغائه بعدها بيومين من قِبَل المحكمة الدستورية، فى تصرفات إن دلت فإنما تدل على أن المجلس العسكرى قرر أن "يلاعب" الرئيس الجديد من خلال السلطة القضائية ومتاهات القوانين المتداخلة والمتشابكة لدرجة أن انقسم معها المتخصصون قبل العوام فى تفسيراتها، وهى المباراة التى لايمكن- منطقيا- أن يكون الأمريكان عنها ببعيد.
أغلب الظن أننا بصدد سيناريوهان لاثالث لهما بشأن مستقبل الصراع على السلطة، الأول سيناريو النموذج التركى، وهو السيناريو الذى قد ترضى فيه المؤسسة العسكرية بالخروج من المشهد السياسى وتركه برمته لجماعة الإخوان والرئيس الخارج من عباءتها والقوى السياسية الأخرى، مقابل عدم الإعتراض على مواد فى الدستور الجديد تعطى وضعية خاصة للجيش وتحول دون خضوع ميزانيته أو حتى مشروعاته الإقتصادية للرقابة الفعلية، فضلا عن الإحتفاظ بحقائب الوزارات السيادية. ولاشك أن هذا السيناريو يجد قبولا واضحا لدى معظم اللاعبين الخارجيين، وأمريكا على رأسهم.
أما السيناريو الثانى فهو النموذج الجزائرى، والذى قد يتم فرضه حال تحركات فعلية من الرئيس لإقصاء المؤسسة العسكرية وفرض هيمنتها على الجيش، وهو ماقد يستتبعه "قلب المائدة" على الجميع بإنقلاب عسكرى صريح لن يتم دون مباركة أمريكية، غير أن الإشارات السياسية الواردة من واشنطن منذ قبيل نتائج الرئاسة وحتى الآن تصب فى عكس الإتجاه للسيناريو الأخير.
والله أعلى وأعلم. |