التاريخ : السبت 14 july 2012 11:25:35 صباحاً
الحرب الباردة الجديدة
لقد شهدت العلاقات الدولية منذ أواخر حقبة الأربعينات حتى نهاية الثمانينات صراعاً كبيراً بين قطبي النظام الدولي في هذا الوقت وهما الولايات المتحدة والتي كانت تسيطر علي المعسكر الغربي وتتبني الفكر الرأسمالي من جهة والاتحاد السوفيتي الذي كان يسيطر علي المعسكر الشرقي ويتبني الفكر الاشتراكي من جهة آخري, وقد بدا هذا الصراع جلياً حينها ولكنه لم يصل إلي حد المواجهة العسكرية الشاملة المباشرة, نظراً لما كانت تتمتع به كلا القوتين من أسلحة نووية كانت كفيلة حينها بتدمير العالم عدة مرات, ونتيجة لان الصراع لم يصل إلي المواجهة العسكرية فقد أطلقوا عليه مصطلح الحرب الباردة (COLD WAR), حيث كان الصراع ينتقل في مناطق نفوذ كل معسكر.
أما عن أدوات هذا الصراع فكانت تتمثل في سباق التسلح وبرامج المساعدات والدبلوماسية والمقاعد الدائمة بمجلس الأمن وغيرها, وقد انتهت هذه الحرب الباردة عندما أعلن جورباتشوف ذلك عام 1989 معلنا أن الولايات المتحدة قد انتصرت في الحرب الباردة.
ولست انوي من هذا المقال التحدث عن العلاقات الدولية ولكن في محاولة لتطبيق هذه الفكرة علي الداخل المصري بعد ثورة يناير, فثمة حرباً باردة تلوح في الأفق من جديد بين معسكرين لكل منهم نفوذه, يمارس كل منهم سيطرته من خلال المعسكر التابع ولهذا الصراع أدواته, وقد أطلقت عليه حرباً باردة لأنه لايزال يستخدم فيه القوة الناعمة من المواجهة دون الوصول إلي القوة الصلبة, فعلي الرغم من أنه لايمكن بحال من الأحوال اعتبار هذا الصراع حديثاً أو وليد الثورة المجيدة, وإنما يضرب بجذوره إلي أكثر من ثمانين عاماً, ولكن ما حداً بهذا الصراع أن يكون ذائع الصيت هذه الأيام هو وجود الطرفين في سدة الحكم والسلطة, وإن طال أمد الصراع واستمر فإنه ذلك ينذر بعواقب وخيمة وكساد كبير للحياة السياسية المصرية أحذر منه المجتمع المصري.
فشعار الشارع السياسي حالياً هو "اثنان لا يتفقان العسكر والإخوان", فمنذ نهاية الثورة والعلاقة بين الطرفين تتسم بالشد والجذب فبدأت بعلاقة مهادنة بين الطرفين في مواجهة الأطراف الآخري, فسرعان ماعادت ريما لعادتها القديمة بسبب الخلاف حول إقالة حكومة الجنزوري, وقد زادت حدة الصراع بمرور الوقت وأصبح كلا الطرفين يمارس سلطته من خلال معسكراته ومناطق نفوذه, وقد وصل الصراع البارد بينهما إلي مداه بحل مجلس الشعب المنتخب مباشرة من الشعب - والذي كان يسيطر عليه مباشرة الأخوان - بدعوي عدم دستورية قانون انتخاب أعضاء المجلس علي المقاعد الفردية, وبعد إخفاق مرشح العسكر في مواجهة مرشح الإخوان فبدأ الصراع ينحو منحي أخر ويصل إلي منعطف خطير بوصوله إلي السلطة القضائية وخاصة المحكمة الدستورية العليا, فقد أصدر العسكر قبل أيام من تولي الرئيس الجديد إعلانا دستورياً مكملاً انتزع به الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب نتيجة عدم وجود برلمان منتخب بعدما أحله المجلس العسكري.
وعندما أصدر الرئيس مرسي قراراً جمهورياً إدارياً بوقف تنفيذ القرار الإداري السابق الصادر عن المجلس العسكري بعودة مجلس الشعب المنحل لحين انتخاب مجلس شعب جديد في خلال 60 يوم من وضع الدستور, وحينها قد قامت القيامة ولم تهدأ وثار القضاء بدعوي التدخل في قراراتهم وعدم وجود فصلاً بين السلطات الثلاثة للدولة, وإن كنت لا أعرف أين كان هؤلاء القضاة عندما قام مجلس العسكر بتهريب أعضاء ومنظمات المجتمع المدني المتهمين في قضية التمويل الأجنبي وغيرها من القرارات الآخري التي يضيق المقام هنا لذكرها والتي كان يطفو عليها الصبغة السياسية والتي كانت واضحة جدا أثناء حقبة حكم المخلوع وكان آخرها هو القرارات المتلعقة بحل مجلس الشعب المزور في عام 2010.
وقد كان هدف مرسي من قراره هو سحب الجانب التشريعي من المجلس العسكري وإعطاؤه للمجلس المنتخب مباشرة من الشعب خاصة بعدما سلم المجلس العسكري السلطة في 30 يونيو الماضي, فقد قام بتسليم السلطة التنفيذية منتقصة في ظل وجود الإعلان الدستوري المكمل وقد احتفظ لنفسه بالجانب التشريعي بعدما حل البرلمان المنتخب وأصبح هذا هو مسمار جحا للتدخل في الحياة السياسية, وإن كنت أويد وبقوة قرار عودة البرلمان, إلا أن المجلس العسكري والمحكمة الدستورية العليا كان لهما راياً اخر.
وتستمر فصول الحرب الباردة بين الطرفين واستعراض العضلات ويمارس كل منهم نفوذه فيمارسه الإخوان من خلال الحصول علي المناصب الرئيسية والرفيعة "شرعياً", كالبرلمان ورئاسة الجمهورية, والجانب الشعبوي من خلال الحشد للمليونيات, أما العسكر فيمارسون نفوذهم وسلطانهم من خلال الإعلام والفضائيات والسلطة التشريعية بعد حل البرلمان وقد انضم لهم اخيراً القضاء.
وللأسف الشديد فمنذ انتهاء الثورة والتي كانت فيها كل القوي السياسية يد واحدة في الميدان لإسقاط الظام والطغيان فقد بدأت بوادر الانقسام والتفتت بعد الثورة مباشرة وظهرت ثنائة المجتمع وانقسامه بين مؤيد ومعارض فبدأت بين مؤيد ومعارض للثورة, ومؤيد ومعارض للاستفتاء ومؤيد ومعارض لمحاكمة مبارك, وإسلاميين وليبراليين ومؤيد ومعارض للإعلان الدستوري, الدكتور مرسي أو الفريق أحمد شفيق, مؤيد أم معارض لقرار حل البرلمان, مع أو ضد قرار عودة البرلمان.
ومن المفترض أنه بعد حصول الدكتور مرسي علي منصب الرئيس بالإغلبية في انتخابات نزيهة حتى لو كانت أغلبية بسيطة, فإنه من واجب بقية القوي السياسية والمعارضة أن تتوحد وتلتف حول رئيسها المنتخب ولا تعمل علي الحشد عليه وإفشاله من خلال الفضائيات والإعلام الموجه الذي لا هدف له إلا إظهار الإسلاميين بأنهم ليسوا دعاة تقدم وليسوا رجال دولة, وهذا يعتبر من وجهة نظري خروجاً علي الشرعية, فيمكنهم ممارسة معارضتهم في حالة القرارات الخاطئة بأسلوب منهجي وعلمي وليس من خلال علو الصوت والحنجرة الجهورة فقط.
وفي النهاية, فإني علي يقين أن الذبد سيذهب جفاءاً وأن ما ينفع الناس سيمكث في الأرض, وأن انتخاب مرسي كان انتخاباً للشرعية والثورة, وأن محاولة إفشاله فتعتبر خروجاً علي الدولة والقانون والإرادة الشعبية الحرة, فلو كانوا اصحاب قضية لما فشلوا في الانتخابات, لأن الشعب المصري علي وعي وفطنة تامة لكل محاولات الوقيعة بين الشعب ورئيسه والخروج علي الشرعية الدستورية, فلابد من الالتفاف حول الرئيس بغض النظر عن الانتماءات الحزبية فإننا كلنا مصريين نريد أن نمر ببلادنا ونعبر هذا النفق المظلم للخروج من عنق الزجاجة التي لازلنا داخلها ولا نستطيع أن نخرج منها إى بالتآرز والوحدة. |