التاريخ : الاثنين 30 july 2012 03:17:09 صباحاً
عشت عقدا من الزمن لا أشعر أن كرامتي مصانة كمصري بالخارج بسبب مواقف النظام السابق المخزية، والتي تجلت في أبشع صورها عندما كانت جثث المصريين تُحمل من العراق يوميا في توابيت، كان رد فعل الرئيس السابق حسني مبارك وعلى لسان مدير مكتبه آنذاك د.مصطفى الفقي: "هما ايه اللي وداهم هناك "..؟!
وعلى الرغم من أن نظام مبارك كان يولي اهتماما كبيرا بالشأن الخارجي والعلاقات الدولية، لكن الأكيد أن المصريين بالخارج كانوا خارج دائرة اهتمامه، وفي غير موضع كان الرئيس السابق يعلن عن امتنانه للدول التي تستقبل رعايا مصريين أكثر، وأذكر في بداية التسعينيات في ليبيا، شاهدت بعيني مظاهر تذمر الشعب الليبي من الهجوم المصري على سوق العمل والاعتراض على نقل البضائع والمواد التموينية من ليبيا الى مصر، وتحول الأمر إلى أزمة يقودها قطاع كبير من الشعب الليبي في الشوارع مطالباً بطرد العمالة المصرية " الجشعة" من ليبيا، وبعد جهود حثيثة من الخارجية المصرية- ألقى القذافي خطابا شهيرا سمعته آنذاك قال فيه مخاطباً شعبه: "هاتوا من بينكم عمال ومتخصصين وحرفيين في المطاعم والمصانع وسوق السيارات والمعمار وأنا أمشّي أخواننا المصريين من الصبح"، ولم يكن للشعب الليبي خيار آخر غير أن يكظم غيظه أمام استبداد النظام.
أما سفاراتنا حول العالم فيبدو أنها آثرت الاكتفاء بالدور التاريخي للديبلوماسية الدولية في تبادل التجسس على الدول الأخرى، ولم تكن شؤون المصريين بالخارج محل اهتمام الخارجية المصرية إلا في وقت الأزمات فقط،.. وكانت سياسة " كُلْ عيش واسكت" متجذرة في فكر النظام السابق ونظرته لأبنائه في الخارج، وبهذه الروحية أدير ملف المصريين المغتربين طوال العقود الثلاثة الماضية، حتى بعد قيام ثورة 25 يناير - التي فتحت أبواب الأمل في استرداد الكرامة المصرية في الداخل والخارج- لم يبرح ملف المصريين بالخارج الخطاب الانتخابي ودغدغة مشاعر الناس، واستمر تغييب 10% من الشعب المصري والاستخفاف بحقوقهم الانسانية والوطنية، وبدورهم كثاني أكبر مورد للدخل القومي.
ليست هناك احصائية رسمية بعدد المصريين بالخارج لكن الرقم يتداول في وسائل الاعلام بين 8 و10 مليون مصري حول العالم، تتنوع اختصاصاتهم وإمكاناتهم من العامل إلى العالم، وقبيل استشراء الفساد في عروق النظام السابق وشيخوخته التي كادت تمتد إلى كل ما هو مصري، كانت الشخصية المصرية في الخارج محل احترام وتقدير، وكان العامل المصري والمهندس المصري والطبيب المصري والمدرس المصري والقاضي المصري والصحفي المصري يحتل مكانة جيدة وجديرة بالتقدير سواء من بلد الاقامة أو بين الجنسيات الأخرى المغتربه، لكن وبكل أسف انخفض سعر المصري واحتل ترتيب متدني في بورصة سوق العمل، بسبب ارث ثقيل ورثناه من النظام السابق، لكن الأمل معقود على النظام الجديد وعلى الرئيس الجديد أن يثأرا للكرامة المصرية ولزميلتنا الصحافية المصرية بنت البلد الجدعة "سهام" التي طُعنت في كرامتها عندما تقدمت للعمل في إحدى الصحف بالخارج وعرضوا عليها نصف الراتب المعتاد ولما سألت عن السبب كان الرد: "هو دا سعر المصري "!.
اليوم أشعر بأنني غريب في بلدي وأنا ألملم أشيائي استعدادا للسفر والعودة إلى وطن احتضنني منذ أكثر من عشرة سنوات وعشت فيه أجمل سنوات عمري، لكن خلال زيارتي الحالية لمصر وانطلاقتي من المنصورة إلى الاسكندرية ومن قلب القاهرة إلى 6 أكتوبر هبوطا إلى وادي الأحلام الجديد، اكتشفت عظمة هذا الوطن، وأدركت حجم عشقي لترابه وحنيني للبقاء في قلبه وقسوة اختفاء ملامحه أمام عيني من شباك الطائرة في رحلة العودة أو الغربة لا أدري .. وأعدت على نفسي طرح السؤال المصيري بقوة.. متى يعود الطير المهاجر؟
الرئيس مرسي كان من بين المرشحين الذين وعدونا بحياة كريمة وفرص جادة للاستثمار في بلدنا، وقطع وعداً على نفسه بعودة العقول المصرية المهاجرة إلى الانخراط في مشروع إعادة بناء الدولة المصرية العصرية الديموقراطية.. وحتى يتحقق هذا الوعد سنشهر ملف المصريين بالخارج في وجه قادتنا والمسؤولين عن إدارة شئون بلدنا..، وأتمنى أن أوفق في التعبير عن آمال وآلام شريحة كبيرة من المصريين المغتربين.
على المحبة نلتقي وللحديث عن شجون المصريين المغتربين بداية.
|