التاريخ : الاثنين 30 july 2012 03:23:25 صباحاً
يفرض الصيام علينا درجة من الصدق والصراحة لا تتكرر فى باقى شهور العام؛ قررت أن أنتهز الفرصة، وأستجوب نفسى بشأن أكثر ما يزعجنى فى هذه الأيام.
قلت: البمب والصواريخ! وتعجبت: كيف لهذه المظاهر الرديئة أن تظل فى حياة أمة الثورة؟! تضاءلت دهشتى وأنا أنظر حولى لأجد الشيشة فى كل مكان. التسول فى عصره الذهبى، والزمارة تملأ الفراغ الصوتى الضئيل المحشور بين أصوات انفجارات البمب والصواريخ وألعاب الحرب... السمن يطفو على سطح أطباق رمضان التى نلتهمها فى دقائق قليلة، ونظل ساعات طويلة نشكو ألم المعدة.. يضاف إلى كل ما تقدم مغامرات طويلة: السير عكس الاتجاه وتبريد الرصيف بالمياه... نهدر وقتنا وصحتنا وأموالنا وطاقتنا ونشكو الفقر والمرض والفشل!
مهلاً؛ هذا جانب أسود من ثقافتنا، أما وجهه المضىء، فما زال متلألئًا شديد الإبهار: يكادون يقطعون الطريق، ولكنهم ليسوا بقطاع طرق، وإنما شباب ورث الكرم عن آباء وأجداد لم يفسد البخل فطرتهم النقية؛ يصرون أن تأخذ تمرات قليلة، أو علبة عصير أو وجبة خفيفة.
مشهد الانتحاريين الذين يقفزون بين السيارات فى ساعة الأخطار يملؤك تفاؤلاً وسعادة، ويعيد شحن بطاريات أَمَلِك، فتقول: الدنيا بخير.
فى بلاد الدنيا ينقسم الناس بين حسن وسيئ.. متحضر وهمجى.. مسالم وعدوانى... أما العجب العجاب الذى تجده فى الشخصية المصرية، فلا مثيل له؛ تجد مزيجًا عجيبًا من الالتزام والانفلات.. المودة والقسوة.. القوة والضعف... قالتها عنى ابنتى قبل أن تدرك جيدًا معنى المفردات، كانت تقول: "بابى قوى وضعيف"!
وكنت أنتبه إلى صحة التقييم الذى أظنها لم تكن تعنيه، بقدر ما كانت تود أن تعبر عن حبها لأبيها بمنحه العديد من الصفات!
الواحد منا تجده يومًا حليمًا هادئًا، ويومًا آخر بركانًا أحمق.. تجده عطوفًا حنونًا، وتجده فى موقف آخر أقرب إلى البلطجة!
اختلافات يمكن أن ننظر إليها نظرة إيجابية، فنقول إنها تنوع وثراء، ويمكن أن نعبر عن ضيقنا بها ونعتبرها تشتتًا وصراعًا لا يهدأ داخل كل منا.
هذه المعركة النفسية الدائرة طوال الوقت أفقدتنا الشعور بالطمأنينة والسكينة والانسجام؛ أصبح كل منا فى حالة صراع مع نفسه ومع كل من يتعامل معهم!
حتى تشخيص الحالة مختلف عليه؛ هناك من يقول: أزمة نفسية تحتاج علاجًا عضويًّا إلى جوار جلسات تحليل وتصحيح التشوهات، وهناك من يقول: نقص دين لا يعالج إلا بجرعات أكبر من التدين والقرب من الله عز وجل، وتجد من يتحدث عن الثقافة وأزمتها الحادة التى يمكن التغلب عليها ببرامج جادة ومخلصة وصبورة.. برامج تؤسس على الواقع الثقافى المصرى؛ ترصد نقاط قوته لتنميها وتكثفها، وترصد نقاط ضعفه لتنقيه منها وتحصنه من ارتدادها.. برامج تحترم المستقر من الدين والقيم العليا وآخر ما وصلت إليه العلوم الإنسانية المختلفة.
أشعر معكم أن المهمة التى نتحدث عنها معقدة بعض الشىء، ولكنها تَحَدٍّ ليس أمامنا إلا التصدى له إذا كنا جادين فى بناء حضارة حديثة يظل بناء الإنسان هو ركيزتها الأولى.
بصراحة صائم أقول: فرصتنا كبيرة لو أدركنا أهمية بناء الإنسان والعمل الثقافى الجاد، أما لو ظللنا متمسكين باعتبار الاقتصاد وحده هو سبيلنا للتقدم، فعليه العوض!!
|