التاريخ : الثلاثاء 14 june 2011 06:25:51 مساءً
لن يربح من الانقسام السياسى بين التيارين «المدنى الذى لا يجافى الدين» و«الدينى الذى يقبل المدنية» سوى أعداء ثورة 25 يناير. فإذا كان الاختلاف رحمة وضرورة للتنوع الخلاق، فإن الخلاف الذى يؤدى إلى الشقاق والخصام قسوة وسيقودنا إلى الهاوية. ربما لو جلس الطرفان اللذان يتصارعان ويتنابذان ويتقاتلان على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام وتحاورا فى روية وهدوء ومسؤولية فسيجدان أن الفروق طفيفة والخلافات واهية، وأن المسألة قد لا تعدو أن تكون مجرد اختلاف فى الوسيلة التى تؤدى إلى غاية واحدة، يؤمن بها كلاهما، ألا وهى نجاح الثورة واستكمال خطواتها، حتى لو تباينت التصورات حول بعض الجوانب الشكلية للنظام السياسى المنتظر.
من هذا المنطلق أقترح هنا عدة إجراءات لإنهاء الخلاف بين من يطالبون بـ«الدستور أولا» ومن يتمسكون بـ«الانتخابات أولا»، أسردها على النحو التالى:
1- يفتح الطرفان حواراً بناءً حول الدستور الجديد، ينطوى على أمرين أساسيين: الأول هو صياغة مسودة ملزمة فى مبادئها العامة، حتى ولو من الناحية الأخلاقية، للجنة التأسيسية المكلفة بوضع الدستور التى سينتخبها البرلمان، وفق خريطة الطريق المرسومة حاليا. والثانى هو الاتفاق على شخصيات هذه اللجنة بحيث يقوم البرلمان بتمريرها عقب انتخابه، وبهذا يتوفر له الحق الذى ناله بمقتضى «الإعلان الدستورى» فى اختيار اللجنة، بعد أن تكون قد حظيت برضاء مجتمعى عام، وذلك من منطلق أن الدستور يوضع بالتوافق ولا تنفرد به الأغلبية البرلمانية.
2- نعود إلى ما تسمى «قائمة الثورة» التى تتوافق عليها كل القوى السياسية الوطنية التى ساهمت فى نجاح «الموجة الأولى» من ثورة يناير التى انتهت بإجبار مبارك على التنحى. وهذه الفكرة كانت قد طُرحت بعد التنحى مباشرة وتبنتها جماعة الإخوان المسلمين، لكنها لم تلبث أن تخلت عنها. وتخوض هذه القائمة الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها فى سبتمبر المقبل ضد القوى السياسية القديمة وضد التقاليد الانتخابية الفاسدة، لاسيما إن لم يُتخذ قرار أو يصدر حكم بـ«العزل السياسى» لأعضاء الحزب الوطنى المنحل. وتجمع هذه القائمة بين التيارات السياسية الثلاثة «الإسلامى» و«اليسارى» و«الليبرالى».
3- نناضل سوياً فى سبيل أن تكون الانتخابات التشريعية المقبلة بالقائمة النسبية، لأنها النظام الذى ينتصر للأحزاب والاتجاهات والبرامج ويحارب المال السياسى والبلطجة والتصويت على الأسس العشائرية والقبلية. ويمكن من خلال هذه القوائم أن نضمن تمثيل البرلمان المقبل لجموع المصريين تمثيلا أمينا وصادقا، بما يقود إلى تمثيل حقيقى للشعب فى صناعة الدستور.
4- توقف التلاسن الذى طال رموزا ثقافية وسياسية، ويتم بطريقة منظمة على يد ما يمكن أن نسميها «كتائب الشتائم الإلكترونية».
وقد توالت المناقشات والمداولات بين الطرفين حتى وصلا إلى نقطة فاصلة تمثلت فى النقاش حول مسألة عرض الأمر على «المحكمة الدستورية العليا» أو «لجنة الفتوى والتشريع» بوزارة العدل لتفصل فى الخلاف حول موضوع «الدستور أولا» فى ضوء وجود حيثيات حكم للمحكمة الدستورية تعود إلى عام 1994 أرست مبدأ مفاده أنه لا يجوز لأى من السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) أن تضع الدستور، لأن الأخير هو الذى يحدد اختصاصات وصلاحيات ونفوذ هذه السلطات الثلاث، وليس العكس.
وبالطبع فإن ممثلى هذين التيارين لا يملكان من الناحية القانونية الشكلية حق رفع المسألة إلى جهات التحكيم كى تبت فيها، إنما يمكنهما أن يعملا معا من أجل دفع الحكومة أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاتخاذ ما يلزم حيال إعادة ضبط الأمر على سنن العدل والاستقامة، وبما ينتصر لمطالب الثورة، ويؤسس لنظام ديمقراطى عادل.
أما من ناحية «الشرعية الثورية» فإن كل الخيارات مفتوحة أمام الجميع، لأن الثورات لا تعرف مثل هذه المماحكات، إنما تشق طريقها نحو تحقيق أهدافها بشجاعة وثقة واقتدار.
لقد صدر بيان عن جماعة الإخوان المسلمين يطالب بالتوحد خلف راية الثورة، أخذ عنوان «تعالوا إلى كلمة سواء»، ويجب على القوى المدنية أن تلبى قائلة «سنأتى إلى كلمة سواء»، لكن من يدعو ومن يستجيب فى عنقيهما دين لهذا الشعب العظيم الذى صنع ثورة سلمية غير مسبوقة فى تاريخ الإنسانية قاطبة، يفرض عليهما أن ينتقلا من القول إلى الفعل، ومن النظر إلى التطبيق، فالكلمة السواء ليست مجرد عبارات إنشائية بليغة، ولا خطابة رنانة طنانة، إنما هى إجراءات واضحة وملموسة تنتصر للثورة، وتحولها إلى قيمة مضافة من أجل بناء وطن حر عزيز عالى القيمة والقامة.
فيا أيها العقلاء، هنا وهنا، عودوا إلى روح ميدان التحرير، التى جمعتنا تحت غاية نبيلة ومقصد شريف وجهاد مقدس فى سبيل الحرية والعدالة والكفاية، فمن دون ذلك سنقوم جميعا باغتيال ثورتنا الفتية، ونقدمها إلى أعدائها مذبوحة ومسلوخة فيأكلونها لحما وعظما، ثم يستديرون علينا تنكيلا وتقتيلا، ويومها لن ينفعنا أى ندم، ولن تشفع لنا أى دموع. ويا أيها العقلاء لتعلموا وتفهموا أن الانقسام إن استمر، والشرخ إن اتسع، فإن الشعب سيكفر بكلا التيارين ولن يجد أمامه سوى المجلس العسكرى ليطلب منه اتخاذ إجراءات لن تفيد مطالب الثورة ولن تصب فى صالحها.
إن ما جرى فى يوليو 1952 كان انقلابا تحلّق الشعب حوله فتحول إلى ثورة، أما ما جرى فى يناير 2011 فهو ثورة إن انفض الشعب عنها فستتحول إلى انقلاب.
|