التاريخ : الأحد 05 augu 2012 02:13:40 مساءً
أصوات فرامل متصلة وأخرى متقطعة.. ارتطامات شديدة.. شظايا الزجاج تتبعثر.. السيارات تطير فى الهواء، وتطيح ببعض ركابها إلى عرض الطريق. تمر اللحظات العصيبة ببطء يجعلك تشعر أنها لن تنتهى، وحين تنتهى لا تصدق عيناك صورة مسرح الأحداث: هذه استقرت فوق الحاجز الأيمن، وأخرى زحفت على جانبها لمسافة طويلة، ثم عادت بحركة بهلوانية إلى وضعها الأصلى على عجلاتها الأربعة، أما الثالثة فقد فقدت ملامحها تمامًا.. فى لمح البصر تجمع الملهوفون للمعاونة فى إنقاذ الضحايا.
باقى الأحداث أكثر إيلامًا ووجعًا للقلب.
تصورت هذا الحادث الأليم فى كل مرة كنت أمر فيها بالكتلة الخرسانية المخيفة التى اختارت حاجز الطريق الأوسط لتسكن فيه متحدية كل مقاييس ومعايير الأمان التى يعرفها العالم المتحضر.
ظلت حديث الجميع لعدة أيام، تبادلنا التحذيرات: على المتجه من مدينة السادس من أكتوبر إلى ميدان لبنان عبر المحور ألا يقترب من الحاجز الأوسط.
نسأل بعضنا: ألم يقع الحادث بعد؟ ما أسخفنى! لم أخبركم بعد أن الكتلة الخرسانية التى امتدت لاصطياد الضحايا ما هى إلا جزء من الحاجز الأوسط، وقد انقلبت على وجهها.. فغضبت، وقررت الانتقام منا جميعًا.
أحمد الله أن هدانى إلى الاتصال بالمهندس سيد متولى بوزارة النقل الذى قام –على عكس توقعاتى- بسرعة التحرك إلى موقع الكتلة الخرسانية الشريرة، ولم يتركها إلا بعد أن أَدَّبَها وأعادها مع رجاله إلى مكانها الأصلى.
دعوت له كثيرًا فى هذا الشهر الكريم، وحمدت الله أن الحادث لم يقع.
أين الحكمة؟ كلمة غابت عن قاموس حكومات الفساد المتعاقبة.. إنها "الصيانة"! لا أحد يريدها، فهى أرخص، وتقلص فرص السرقة والعمولات. الصيانة ترفع كفاءة الطريق، وتزيد سرعته، وهو أمر يتنافى مع المعايير الأمنية فى الإمبراطوريات التى تفضل بطء الطريق لسهولة السيطرة عليه.
الصيانة تدخل فى باب الإتقان، وهى ثقافة حاربتها عصابة مبارك التى تعمدت إضاعة ثقافتنا العريقة.. لا شك أن الصيانة خير من إعادة البناء، تمامًا كما أن الوقاية خير من العلاج.
سقوط دولة الفساد بملامحها الأمنية المعادية للشعب فرصة لا تعوض لتغييرات عديدة تبدأ بتغيير المفاهيم وتصحيحها.. علينا أن ننشر الوعى بأهمية الصيانة وأهمية الوقاية.
فى كثير من الأحيان تجد بلاطة واحدة مخلوعة من أحد الأرصفة، وفى غياب الصيانة تقرر البلاطات المجاورة أن تلحق بالمخلوعة، ويصبح عندنا حفرة يزداد اتساعها بمرور الأيام والأقدام وبعض الموتوسيكلات التى لا تعترف بالنظام.. هكذا يصبح الرصيف بعد أسابيع قليلة بحاجة إلى تمهيد وتبليط وميزانية كبيرة تستوعب المصالح القذرة!
نهدر أموالنا وطاقتنا وأوقاتنا... وكيف لا نفعل هذا بالطريق، ونحن أمة لا تصون مواسير مياه الشرب، فتختلط بمياه المجارى، ليصيبنا ما يصيبنا من أمراض؟!
الصيانة والوقاية تبدءان من داخل المخ، وتخرجان منه على شكل برامج زمنية وفنية دقيقة تحافظ على سلامة الإنسان وسلامة المرافق.
الإنسان السليم إنتاجه أغزر وأفضل كثيرًا من العليل، كذلك الحال فى الطرق والمنشآت، وهو ما يجعلنى أطالب بضرورة تأجيل كافة المشروعات الجديدة غير الملحة، والشروع فورًا فى صيانة ورفع كفاءة ما هو قائم بالفعل من طرق ومرافق ومنشآت.
أكثر الله من أمثال المهندس سيد متولى وكل من يتقى الله فى عمله، وحفظكم الله من كل شر.
|