التاريخ : الأحد 05 augu 2012 02:19:11 مساءً
دولة الأتاوة تحييكم من الكورنيش
ماجري في مبني نايل سيتي هو كارثة كبيرة كشفت لنا جميعا حجم الضعف الأمني الذي أصاب المؤسسة الأمنية في مصر,هذا الضعف الذي
منح احساسا لدي كثيرين أن بامكانهم أن يفعلوا مايريدون وقتما شاءوا وفي أي مكان,الاحساس العام بهيبة الدولة تراجع منذ شهور بعيدة,وأحيانا تدفعني نظرية المؤامرة الي التسليم بأن ذلك مقصود.
جري ماجري لمبني النايل سيتي وحوله من حرائق للسيارات واصابة لبعض المواطنين الأبرياء الذين تصادف وجودهم بجوار المبني وقت والحريق,ورغم ذلك فإن مانشرته الصحف علي لسان بعض مسئولي مبني النايل سيتي هو أمر خطير وينبغي التوقف أمامه,ليس لأنه كان حديثا قد كشف لي أمرا غاب عني معرفته أو متابعته,بل لاعتقادي أن ماقال به مسئولو النايل سيتي يمكن قبوله والتسليم به إذا وقع في مناطق غير مأهولة بالسكان وبعيدة عن يد الأمن.
المهم,ماذا قال مسئولوا النايل سيتي للصحف,القصة تبدأ من وجود بلطجي (لايهمنا اسمه رغم أن بعض الصحف قد ذكرته),هذا البلطجي استغل حالة الفراغ الأمني التي سادت البلاد منذ ثورة يناير,وعرض علي مسئولي مبني النايل سيتي توفير الحماية لهم وللمبني مقابل معلوم شهري يعني بالعربي (فردة) أو أتاوة,وطبعا وافق مسئولو المبني,لأن الأمن كان غير موجود,وظل النايل سيتي يدفع المعلوم عدة شهور لكن الباشا البلطجي جري القبض عليه ودخل السجن عدة شهور لأي سبب (مش مهم),المهم إن النايل سيتي توقف عن دفع المعلوم,ومرت الأيام مثل أفلام السينما,عندما خرج البلطجي من السجن وطبعا مفلس,وعاوز فلوس.
كان طبيعيا أن يقصد البلطجي الفتوة كل مكان فرض عليه أتاوة ومن بينها مبني النايل سيتي,وعندما ذهب مطالبا بالاتاوة التي يراها من وجهة نظره حقا أصيلا له,فوجيء برفض دفع الاتاوة,وكلمة من هنا وكلمة من هناك وقعت الواقعة التي كشفت مستور الاتاوة.
ربما جاز لنا أن نطرح هنا تساؤلا مفاده:إذا كان حريق النايل سيتي قد فضح وكشف لنا حكاية الإتاوة التي كان يدفعها هذا المبني العريق,فكم عدد الحرائق المطلوب اشعالها في مصر حتي تفضح وتكشف لنا دولة الاتاوات في بلدنا.
في المقابل وحتي نكون أمناء مع أنفسنا,فإن مفهوم أو ثقافة الأتاوة لم يظهر أو ينتشر في مصر بعد ثورة يناير فقط,بل يمكننا القول أن الاتاوة أو البلطجة قد أخذت أشكالا متعددة في عهد مبارك ثم استفحلت وانتشرت بعد ثورة يناير بسبب الفراغ الأمني,وشعور البعض بعدم وجود دولة في مصر أو أن هيبة الدولة قد ضاعت,واستغل بعض ضعاف النفوس من المصريين الفرصة,فجري التعدي بالبناء علي الأرض الزراعية أو كسر اشارة مرور أو عبر فرض أتاوة علي محل أو مصنع أو دكان,مثلما جري في مبني النايل سيتي,كما أنني أعرف أن عددا من رجال الأعمال وأصحاب المصانع والقري السياحية لابد أن يدفعوا اتاوة والا فسدت أحوالهم واستثماراتهم.
وزيارة سريعة الي قري الساحل الشمالي وتحديدا منذ الكيلو 21 من طريق اسكندرية مطروح وحتي محافظة مطروح,سيكتشف حجم وكارثة انتشار الفردة والأتاوة للبدو الموجودين في تلك المنطقة,وبات الكل يدفع المعلوم شهريا والا..الا دي وراها كلام كبير,المهم كان ذلك يجري تحت سمع وبصر دولة مبارك.
حكي لي مستثمر مصري كبير ولديه شركات متعددة ومصانع ويعمل في مصانعه مايزيد عن 15 ألف عامل,المهم بعد الثورة واستغلالا للفراغ الأمني,عرض عليه بعض الناس (من اياهم) حماية مصانعه الموجودة في المدن الصناعية الجديدة,يعني في الصحراء,واتفقوا معه علي امداده بعدد 32 فتوة لحماية مصانعه ليلا,مقابل أن يدفع 32ألف جنيه شهريا بواقع الف جنيه لكل فتوة,ووافق رجل الأعمال,ثم ركب سيارته ليلا محدثا نفسه بزيارة مصانعه,وعندما تجول حولها لم يجد سوي ثلاثة أفراد فقط ومعهم السلاح,وعندما (عاتب) كبير الفتوات بغياب 29 فتوة عن مصانعه رغم أنه يدفع المعلوم,فوجيء بمن يقول له:هل اقترب أحد من مصانعك أو فكر أحد في سرقتك,عندما انتهي رجل الأعمال من رواية قصته لي فقد أكد أنه ليس هو وحده الذي يستعين بالفتوات,بل أغلب –ان لم يكن كل- المصانع والشركات تفعل ذلك بسبب غياب الأمن.
نعم,الثورة قضت علي الأتاوة السياسية التي كان يفرضها نظام مبارك علي كبار المستثمرين لكن ظننا أنه مع قيام الثورة سوف نتخلص من هذا الفساد,لكن ثبت صعوبة ذلك,بعد أن أخذت الأتاوة أشكالا متعددة بعد الثورة.
هناك دولة موازية للدولة المصرية جري تأسيسها بعد الثورة..وأصبح لدينا أمنا موازيا للأمن الرسمي المصري المختفي منذ الثورة,وكان الظن أن ذلك ضربا من المستحيل لكنه حصل.
مصر الآن تحتاج الي شدة قوية لأن عقدها يكاد ينفرط,أتحدث عن هيبة الدولة التي تتراجع يوما بعد آخر دون اهتمام أو محاولة ابداء الاهتمام ممن بيدهم الأمر,سوف أظن خيرا بحكومة هشام قنديل وسوف أنتظر ماوعدنا به وزير الداخلية الجديد,لكن استعادة هيبة الدولة ليس مسئولية وزارة بعينها بل مجتمع بكافة مؤسساته. |