التاريخ : الأحد 09 september 2012 05:31:01 مساءً
عندما تغيب الدولة تصبح الفوضى بديهية وأحيانا مبررة، وعندما يعجز القانون يصبح العنف احتمالا واردا وربما وحيدا.
أمام كل هدف مشروع آليات مشروعة أيضا تسمح بالنضال خلفه والسعى وراءه، لكن عندما تنسد كل المنافذ المشروعة، وتتعطل كل الآليات النظامية لا يكون اللجوء إلى الاستثناء استثناء، ويصبح الاستثناء ظاهرة، وتجد من يملك من الجرأة والمنطق ليدافع عن عنف أو فوضى.
عندما سد مبارك كل المنافذ الشرعية للتغيير والإصلاح، بقى الصندوق حلما مشروعا.. وكانت الانتخابات البرلمانية فى 2010 أملا جديدا، لكن نظام مبارك أهدر فرصته الأخيرة. جاءت الانتخابات هزلية بالشكل الذى دفع كل أولئك الذين راهنوا على إصلاح النظام من الداخل إلى اليأس أو الاعتقاد بأن حراكا قادما قد يتحلى بقدر كبير من العنف ولن يستطيع أحد أن يدينه، وقتها لم يكن هناك مفر لطلب الإصلاح والتغيير من الشارع بعد أن انسدت كل البدائل الآمنة.
لكن التغيير الذى جاء من الشارع كان أقل كلفة، تحرك سلمى وفاتورة رغم فداحة ما تحتويه من أعداد شهداء إلا أنها تبقى أقل من حدود التوقعات.. حتى هذه اللحظة وتحت تأثير مشروعية الحركة بعد انسداد باقى المنافذ لم يصمد من قال إن من هاجموا الأقسام، وحرقوا مقر الحزب الوطنى بلطجية.. فى ظرف عادى كان يمكن أن تتضامن مع قول كذلك. لكن فى لحظة ثورة تستمد مشروعيتها من أخطاء نظام سد كل آلافاق الهادئة لبلوغ الحقوق صار من يمسك الشعلة لحرق الحزب الوطنى ثوريا بامتياز.
فى ضوء ما سبق كله أرجو أن تفهم واقعة اقتحام الجماهير لمقر اتحاد كرة القدم. لا يمكن أن تزايد على ثورية ونبل الألتراس ودورهم الوطنى فى مرحلة حرجة الأرجح أنهم دفعوا ثمن هذا الدور من أرواح رفاقهم.. لوهلة من حقك أن تصف اقتحامهم لمقر الاتحاد بالبلطجة، لكن تعال لننظر لمحفزات هذا الهجوم.
أمامك مجموعة من الشباب فقدوا زملائهم فى مباراة كرة قدم، وليس فى ساحة حرب، 74 شهيدا غير المصابين وأولئك الذين مازال هول الاحداث يطغى على نفسيتهم.
والدولة أمام هؤلاء الشباب هى القضاء الذى ينظر القضية بتباطؤ شديد انتهى إلى وقف أعمال المحاكمة بسبب رد هيئة المحكمة.. واتحاد الكرة الذى عجز طوال أشهر على اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة الكارثة أو تخفيف آثارها النفسية على الأقل.
فى كثير من بلاد العالم يموت مشجعو الكرة نعم، لكن لم يمت 74 مشجعا مع سبق الإصرار والترصد كأولئك الذين ماتوا فى بورسعيد.. كما أن أى كارثة جماهيرية فى أى ملعب فى العالم كانت تواجه فى اليوم التالى مباشرة بإجراءات وعقوبات.
الآن من المؤكد أن لهؤلاء الشباب حق يريدونه، وهناك من يحاول كنظام مبارك أن يسد أمامهم كل المنافذ الشرعية لبلوغه والنضال خلفه، والأكثر مرارة أن هناك من يطبق نظرية «خليهم يتسلوا» لينتصر للمصالح المادية فى بيزنس كرة القدم ويصر على أن تعود الملاعب، كما كانت بلاعبيها وجماهيرها وإعلاناتها، وكأن شيئا لم يمت.. قطعا استمرار الكرة مثل سنة الحياة، لكن أن يأتى كل ذلك دون أن تقدم لهؤلاء الغاضبين للحق شيئا يقربهم من حقهم أو على الأقل يشعر هم أنهم فى دولة تقدر حجم الكارثة، فهذا لا يعنى سوى أمر من اثنين.. إما أن تكون الملاعب عرضة لتكرار هذه المأساة، ومن عجز عن التصدى للأولى سيعجز بالتأكيد على التصدى للثانية، وهو ما يفتح أبواب الثأر مشرعة على مصراعيها، أو يدفع الألتراس إلى الإيمان أن لا مفر من الشارع، وقتها سينال اتحاد الكرة مصير الحزب الوطنى ونظامه، وستصل الثورة إلى حدود الجبلاية.
للألتراس حق.. فليشر عاقل لهم إلى طريق مشروع لبلوغ هذا الحق.. أو فلا تلومن إلا أنفسكم لو سددتم كل المنافذ، ولم تتركوا أمامهم إلا خيارا وحيدا فقط لا غير..!
|