دائماً ما كانت تشكل الطاقة بأنواعها المختلفة أزمة على مدار العقود الماضية، سواء الطاقة الكهربائية أو تلك المرتبطة بالمحروقات من بنزين وسولار إضافة الى أنبوبة البوتاجاز، وقد إزدادت الأزمة وإشتعلت فى مرحلة ما بعد الثورة بسبب عمليات التهريب الواسعة التى تحدث نهاراً جهاراً أمام كافة المسئولين على مدار الحكومات المتعاقبة وفى ظل حالة الإنفلات الأمنى التى لم تشهدها البلاد من قبل.
وعلى الرغم من حالة الإستقرار السياسى الذى بدأت تعيشه مصر وإنعكاسه على الوضع الأمنى منذ إجراء الإنتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة الجديدة إلا أن أزمة الوقود مازالت قائمة وحالات التهريب مازالت مستمرة فى ظل فروق الأسعار المرتفعة التى تتحقق من جراء عمليات البيع التى تحدث بقطاع غزة من خلال ما يتم تهريبه عبر الأنفاق التى تصل الى الأراضى الفلسطنية المحتلة.
وعلى الرغم مما قامت به قواتنا المسلحة من ضرب لقوى الإرهاب والبلطجة بمحافظة شمال سيناء وتدمير عدد من الأنفاق وغلق عدد آخر بالشكل الذى كان كفيل بالقضاء على ظاهرة التهريب وعدم تجدد أزمة الوقود مرة أخرى، إلا أن الأزمة لم تنتهى ومازالت عمليات التهريب تحدث يومياً بخلاف ما يتم إكتشافة وضبطه من خلال قوات الأمن.
ولعل المشهد اليومى لتكدس السيارات أمام محطات الوقود أصبح من الأمور التى إعتاد عليها المواطن، بل أصبح يشارك فيها البعض من خلال سلوكيات غريبة وتصرفات أغرب يتحدث عنها دائماً العاملون بمحطات الوقود، ولعل الإضرابات الفئوية التى أصبحت تجتاح كافة قطاعات الدولة ومن بينها قطاع البترول بمؤسساته وشركاته المختلفة تلعب هى الأخرى دور هام فى تفاقم تلك الأزمة.
وقد ساعد على تفاقم أزمة الوقود وشعور المواطن بها عدم ضخ المزيد من الإستثمارات الجديدة سواء فى مجال الكشف والتنقيب أو فى مجال التكرير، وقد لعب مناخ الإستثمار الطارد وحالة عدم الإستقرار السياسى والإنفلات الأمنى الذى شهدته البلاد خلال العامين الماضيين وكذلك غياب البرلمان الدور الأساسى فى ذلك.
وقد ساعد أيضاً على إستمرار وتفاقم أزمة الوقود فى مصر بعض وسائل الإعلام والصحافة التى دائماً ما تتحدث عن الأزمة قبل أن تبدأ وكأنهم يعلمون الغيب أو بالأحرى يفعلون ما فى الغيب، ويساعدهم فى ذلك وبكل تأكيد الحكومة الحالية سواء من خلال رئيس مجلس الوزراء أو وزير البترول إما من خلال تجاهل أولئك الفاعلون فى تفاقم الأزمة أوالمساعدون فى إشتعالها منذ البداية وإما من خلال عدم نفى أية إشاعات أو تسريبات تتحدث عن احتمال رفع أسعار الوقود، يضاف الى ذلك التضارب والصراع المعلن الذى دائماً ما يحدث بين وزيرى البترول والكهرباء وإتهام كل منهما للأخر بأنه سبب رئيسى فى إشتعال الأزمة وتفاقمها.
ومازال المواطن المصرى البسيط هو من يدفع الثمن إما من خلال المعاناة فى الحصول على إحتياجاته من تلك السلع وإما من خلال إهدار موارد الدولة من خلال الإستمرار و الإستمراء فى منظومة الدعم التى لا تصل الى من يستحقه والتى تخطت حاجز المائة مليار جنيه لدعم المواد البترولية يذهب أكثر من نصفها لدعم السولار فقط.
ويأتى هذا على الرغم من وجود العديد من الدراسات التى أعدت خلال الأشهر الماضية لتعديل تعريفة الوقود فى مصر والتى مازالت تدعم من الأغنياء على حساب الفقراء، ويعد ذلك استنزاف لجزء هام من موارد الدولة التى يجب أن توجه فى الأساس الى المواطن الذى يستحقه.
ومازال المواطن البسيط يرغب فى أن يبتعد عن الواقع الذى يعانى فيه عند الحصول على ما يحتاجه من سلع وخدمات الى الخيال الذى يحلم فيه بأن تنفتح السماء لطاقة القدر لتخرج له حياة كريمة تليق به كمواطن.
إنها أحد القضايا المهمة التي تواجه كل ما يساعد فى إشتعال وتفاقم أزمة الوقود فى مصر إما بالقول أو بالفعل وتحتاج إلى إعادة التفكير.