التاريخ : الأحد 07 october 2012 07:21:31 مساءً
كان أستاذى الفاضل فى المرحلة الثانوية "الأستاذ زينهم" مدرس أول اللغة العربية رحمه يعنفنى دائما كلما تماديت فى شرح إجابة سؤال ألقاه لى بشكل مفاجئ، قائلا "هو أنت هتشرح الإلياذة" مع توجيه خيزرانته فى الهواء مشيرا لى لكى أجلس، وأصمت.
لم يكن مدرسي يطلب منى زيادة فى الإجابة بل كان يريد المختصر المفيد، وهو تماما ما نريده الأن فى مصر، وكما يقول المتكلمين هذا الايام عن إعادة إختراع العجلة – بمعنى أننا لن نخترع ما أبدعته البشرية منذ آلاف السنين – فإننا لا يجب أن نغلق الأبواب على أنفسنا ونحن نحل أزماتنا اليومية.
نحن الأن نشرح الإلياذة فى غير موضعها .. ونكثر من الضجيج بلا طحن، وخطابات الساعتين ونصف، نردد فيها كلام مرسلا مطلقا وهميا ولا إثبات له ولا دليل ولا برهان على أرض الواقع، ونستهلك طاقاتنا فى حروب سياسية سخبفة جرجرتنا اليها اللجان الإلكترونية والمتحركة لتبادل الشتائم وتصدى كل مجموعة للدفاع عن أمير الحرب الخاص بها، وكأننا أخذنا هذا الوطن غنيمة نتقاسمها بعد النصر.
الامور أبسط من شرح ملحمة الإلياذة والأوديسة، والشعب المصرى ليس مهتما بحقيقة موضوع التعبير العظيم المسمى مشروع النهضة، ولا بصلاة الرئيس التى أصبحت سرية ومفاجئة، ولا بخطابه الذى ضرب الرقم القياسي فى "الكلام الرئاسي" باستاد القاهرة، الشعب يريد بالفعل أمور بسيطة وأساسية، فهو يحلم برغيف عيش مستقر، وأنبوبة ممتلئة ومضمونة ومواصلة محترمة وطريق مؤهل للسير عليه وأسعار فى متناول راتبه الضئيل الذى لن يوضع له حد ادنى ولا لغيره حد أقصى، الشعب يتجاوز حتى عن الكذب والوعود التى منح إياها فى مولد الإنتخابات الرئاسية.
شعبنا أحلامه بسيطة، ونحن نهرطق ونستهلك الوقت ونستسهل وضع مزيد من الدين الخانق على أكتافه، وليس مهتما بصراعات مجموعة من الفشلة يواصلون فشل لم ينقطع منذ عشرات السنين، وهو يشاهد وينتظر ويستخدم كل ما لديه من فريضة الصبر.. لكن من حوله يشرحون له الإلياذة ويستهلكونه فى دوامات السياسة، وخطابات الزعامة المفاجئة.
أنا أتحدث عن الشعب الذى لا يخرج الى الميادين ولا يهاجم السفارات ولا يتخندق وراء رجل يخدره بالوعود والقدرات الخارقة.. انا أتحدث عن شعب لم يعد قادرا على عمل طبق سلطة بجوار وجبته "القرديحى".. أتكلم عن الشعب الذى سجد للفرعون حتى إنحنى ظهره وأدمن الخنوع، وهؤلاء تحديدا بلغوا نقطة القاع وليس بعد القاع سقوط، ومن هؤلاء وعليهم أخاف إن إنفرد ظهرهم وخرجوا يبحثون عن حقهم فى "ثورة جياع حقيقية".
يا سيادة الرئيس مرسي ويا ساداتنا فى كل ناحية من السياسيين والمعارضين والمنافقين والمطبلين والمتاجرين والمتنطعين والقطعان.. أرجوكم إسرعوا الخطى الى ما تعدوننا بانه النعيم .. وإمسكوا ألسنتكم عن شرح الإلياذة.. فهذا ليس زمن الملاحم والأساطير إنه زمن أفلام الرعب.. لقد انتهت المائة يوم التى كانوا يتحدثون عنها ويراقبونها ويتربصون بها.. وأعتقد أيضا أن مرسي استهلك الرصيد المسموح له من الخطب والكلام لعامين على الأقل.. فدعونا نعمل ونبتكر ونخطط ونبحث للمستقبل ونخرج من قمقم الماضى.. ولا هو كله "نهضة .. نهضة" ما فيش إنجاز؟؟ |