منذ ما يقرب من عام أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته المسئول عن إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الإنتقالية مرسوماً بقانون رقم 125 لسنة 2011 بشأن تعديل بعض أحكام قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003.
وقد تناول ذلك التعديل وضع ضوابط لمنع تعارض مصالح أعضاء مجلس ادارة البنك المركزى بما يضمن حيدتهم واستقلالهم وفقاً لأفضل المعايير والأعراف الدولية، وقد أشار التعديل الى أنه لا يجوز أن يكون لأى من أعضاء المجلس أى مصالح تتعارض مع واجباتهم أو مقتضيات الحيدة والإستقلال أو الحفاظ على سرية المعلومات التى يصلون اليها بحكم عضويتهم لمجلس ادارة البنك المركزى المصرى، وألا يكون من رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة البنوك التجارية.
وفى ضوء صدور ذلك المرسوم بقانون فقد تم إعادة تشكيل مجلس ادارة البنك المركزى وفقاً للتعديلات المشار اليها، حيث شمل التشكيل الجديد لمجلس ادارة البنك توصيفاً مهنياً للأعضاء ومهامهم والمناصب التى يتولونها واللجان الفرعية والنوعية التى يشكلها مجلس ادارة البنك وذلك فى إطار تطبيق قواعد الحوكمة، وقد تم تخفيض عدد أعضاء مجلس ادارة البنك من خمسة عشر عضواً الى تسعة أعضاء فقط هم المحافظ ونائباه ورئيس هيئة الرقابة المالية وممثل لوزير المالية بخلاف أربعة أعضاء تم اختيارهم ممن تتوفر فيهم الخبرة وشرط عدم تعارض المصالح، وقد تم إستبعاد رؤساء البنوك العامة والخاصة من التشكيل الجديد.
وعلى ما يبدو فإنها عاداتنا كمصريين دائماً نضع أفضل القوانين ونعرف كيف نتفادى تطبيقها نصاً أو روحاً، نظرياً أو فنياً، فقد إستثنى محافظ البنك المركزى وهو يطبق ذلك التعديل نائبه جمال نجم من خلال الموافقة له على ترأس مجلس ادارة المصرف العربى الدولى مع إحتفاظه بعضويته بمجلس ادارة البنك المركزى وبمنصبه كنائباً للمحافظ، وهو ما يعد تعارضاً وتضارباً بين دوره التنفيذى والإدارى كرئيس لمجلس ادارة المصرف وبين دوره التنظيمى والرقابى بصفته عضواً بمجلس ادارة البنك المركزى ونائباً للمحافظ والذى يتضمن من بين مهامه وضع قواعد للرقابة والإشراف وكذلك الضوابط المرتبطة بمتابعة أنشطة المصرف كغيره من البنوك، ثم وضع المعايير والضوابط الرقابية التي تكفل سلامة المركز المالى للمصرف وحسن أدائه لإعماله وإصدار القرارات اللازمة لتنفيذها، والتأكد من تطبيق معايير الجودة الائتمانية والسلامة المالية.
ولعل رد البنك المركزى على ذلك بأنه لا يعد مخالفة بحكم إتفاقية إنشاء المصرف العربى الدولى والذى تأسس بموجب إتفاقية دولية خاصة تم التوقيع عليها فى يوليو 1974، ويعد من بين أهم المزايا التى يتمتع بها أنه لا تسرى عليه القوانين المنظمة للمصارف والائتمان والرقابة على النقد والمؤسسات العامة.
غير أن رد البنك المركزى فى هذا الشأن بأن ذلك لا يعد مخالفة وإن صح نصاً لا يصح روحاً، وإن صح نظرياً لا يصح فنياًً، ولعل الدليل على ذلك هو إخضاع المصرف العربى الدولى مؤخراً لرقابة البنك المركزى المصرى بعد طول غياب منذ تاريخ إنشاءه، ولعل تلك الخطوة الجريئة لم يكن يقدم عليها البنك المركزى المصرى لولا ممارسة المزيد من الضغوط من كافة الخبراء والمحللين بعدما إرتفع حجم الشكوك فى ذلك المصرف خاصة بعد ثورة يناير، حيث أثير العديد من التساؤلات حول دور المصرف والأنشطة والعمليات التى يقوم بها خلال الفترات الماضية خاصة فى ظل قصر تعاملاته على النقد الأجنبى.
وعلى ما يبدو فإننا نعيش فى عصر الثورة حيث شعار التطهير ومحاربة الفساد يسود فى كافة قطاعات الدولة، ولكن الأمر داخل البنك المركزى مختلف حيث تتحطم كافة القوانين والأعراف من أجل بزوغ نجم المركزى.
إنها أحد القضايا الهامة التي تواجه الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية بصفته المسئول الأول عن التطهير ومحاربة الفساد داخل مصر وتحتاج الى إعادة التفكير.