اثناء انشغالي بمحاولة تفسير نصوص المواد المقترحة في المسودة الدستورية وهي الأولي كما هو المعلن، تطرق الي احد الاصدقاء وقال لي ان سبب اعتراضه علي حل اللجنة التأسيسية هو المواد المذكورة في المسودة الاولي وضرب لي مثلا في المادة 145 وهو في قمة غضبه وقال لي إن رئيس الجمهورية يقوم بحل مجلس الشعب دون استفتاء، كيف يستقيم ذلك كيف نقول اننا نقلص من سلطات رئيس الجمهورية وفي الوقت ذاته نعطيه سلطة حل مجلس الشعب دون استفتاء، وكما تعودتم في مقالاتي الدستورية او الاقتصادية فإنني اقوم بالتحليل لا بإبداء الرأي في اي اتجاه تاركا الاخيرة لسيادتكم محل اختيار لذا سنقوم بتحليل المادة 145 تاركا الرأي لسيادتكم في أخذ ورد تلك المادة علي اللجنة التأسيسية.
وتقول المادة (يسمى رئيس الجمهورية رئيس الوز ا رء ويكلفه بتشكيل الحكومة خلال ثلاثين يوما على الأكثر، وتتقدم هذه الحكومة ببرنامجها إلى مجلس النواب خلال ثلاثين يوما على الأكثر من تاريخ تشكيلها، فإذا رفض هذا البرنامج بأغلبية عدد أعضائه يعين رئيس الجمهورية رئيسا آخر للوزارء ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة، تعرض برنامجها على مجلس النواب، فإذا رفض هذا البرنامج، يشكل رئيس الجمهورية الحكومة الجديدة بناء على اقتراح من مجلس النواب، فإن لم يتم ذلك خلال ثلاثين يوما على الأكثر، يحل رئيس الجمهورية مجلس النواب. وفى كل الأحوال يجب ألا يزيد مجموع المدد المنصوص عليها فى هذه المادة على مائة وعشرين يوما.)
وقبل التحليل اود الاشارة الي ملاحظتين
الملاحظة الاولي : ان الاعتراض علي شئ ما لا يكون برفض فاعلها وواضعها بل برفض ما وضعه والتفاوض معه علي ان يضع ما نريد، هكذا تستقيم الحياة – مع الاخذ في الاعتبار الاسباب القانونية التي تخرج التأسيسية من طور الشرعية – ذلك اننا لو رفضنا صانع الشئ وليس الشئ لم نجد صانع ابدا.
الملاحظة الثانية : لا يمكن تفسير اي مادة من مواد الدستور بأخذ فقرة منفصلة واعطائها تفسير مستقل بل يجب النظر الي المادة ككل وتفسيرها فلا يجب ان ننتهج نهج ولا تقربوا الصلاة .
وتفسير المادة 145 سيكون بتحليل كل فقرة من فقراتها حتي يتبن لكم ما هو الصحيح من عدمه في تلك المادة علي اتفاق ان الاختيار يقع بايديكم لا بيدي.
الفقرة / 1
(يسمي رئيس الجمهورية رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة خلال ثلاثين يوما علي الاقل )
وهذه الفقرة من المظاهر التى تشير الي نظامنا الرئاسي ففيه يكون رئيس الجمهورية رئيسا للسلطة التنفيذية وفيها يكون اختيار رئيس وزراءه من حق رئيس الجمهورية ولن نطيل في شرحها اكثر من ذلك وتستغرق مدة الاختيار والمشاورة ثلاثين يوما.
الفقرة / 2
و"تتقدم هذه الحكومة ببرنامجها إلى مجلس النواب خلال ثلاثين يوما على الأكثر من تاريخ تشكيلها"
تقوم الحكومة هنا بالتقدم ببرنامجها – وهو برنامج الرئيس الذي قام الشعب باختياره – خلال ثلاثين يوما علي الاكثر من تاريخ تشكيلها الي مجلس النواب وليس البرلمان كله بمعني ان الجكومة أي السلطة التنفيذية والتي يرأسها رئيس الجمهورية سيقوم بوضع خطة تنفيذية لبرنامج الرئاسي والذي قام الشعب باختياره علي اساسه وعرضها علي البرلمان وهو المنتخب ايضا من نفس الشعب الذي اختار الرئيس ولا أعرف لماذا لم ينص علي عرض البرنامج الحكومي علي مجلسي البرلمان علي اعتبار ان مجلس الشيوخ يضم النخبة العاقلة.
الفقرة / 3
"فإذا رفض هذا البرنامج بأغلبية عدد أعضائه يعين رئيس الجمهورية رئيسا آخر للوزراء ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة"
وتأتي نص الفقرة الثالثة التي تقول انه في حالة رفض البرلمان – المنتخب من نفس الشعب الذي انتخب الرئيس علي اساس البرنامج المقدم من المرشح الرئاسي الناجح – بأغلبية اعضاء يعين رئيس الجمهورية رئيسا آخر للوزراء ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة، تلك الفقرة من الصعوبة بمكان تنفيذها علي ارض الواقع فبغير حالة تناقض الشعب مع نفسه الذي اختار الرئيس ومجلس النواب فإننا هنا بصدد حالة دستورية قد تخلق ازمة سياسية كبيرة في الدولة
والفرض هو أن رئيس الجمهورية المرشح من حزب(س) وجاءت اغلبية مجلس النواب من اغلبية الحزب (ص) فإننا هنا نقع فريسة النزاع السياسي فقد ينحرف اعضاء الحزب (ص) عن طلبات الشعب، فقد يكون الشعب قد اختارهم لعمل كفة متوازنة سياسيا مع الحزب (س) والذي اتي برئيس الجمهورية وليس من اجل الاعتراض علي برنامجه، الا ان المادة توحي امكانية رفض رئيس الوزراء لمجرد ان برنامجه غير ملائم، او هو نفسه غير متوافق مع سياسات الحزب (ص) والتى هي اصلا رغبة الشعب، والتي اوصلت رئيس الجمهورية بناء علي برنامجه الاقتصادي وقد اقرت الفقرة بأنه وفي حالة رفضه يعين الرئيس رئيسا جديدا للحكومة، وهو بالقطع ما سيقوم بالاتيان برئيس يطبق البرنامج هو نفسه ونفترض هنا قيام رئيس الجمهورية بتغيير الخطة التنفيذية لبرنامجه وطرحها مرة اخرى في شكل رئيس جديد للوزراء وسيكون حينها قد احرق وجه سياسي واقتصادي المتمثل في رئيسه الأول.
الفقرة / 4
"تعرض برنامجها علي مجلس النواب"
هنا لم تشر الفقرة الي اضافة مزيدا من الضمانات لصالح الرئيس في ان تعرض المرة الثانية علي مجلسي البرلمان حتي تستقيم الامور وانما فقط وضعنا في نفس الحالة الاولى.
الفقرة /5
"فإذا رفض هذا البرنامج يشكل رئيس الجمهورية الحكومة الجديدة بناء على اقتراح من مجلس النواب"
هنا وبقدرة قادر تحولنا من النظام الرئاسي الي النظام البرلماني والذي فيه يعين البرلمان وهو بطبيعة الحال حزب الاغلبية والذي نفترض فيه اختلافا عن الحزب الفائز منه رئيس الجمهورية وهو الحزب (س) فكيف يستقيم سياسيا وواقعيا قيام الحزب المسيطر علي البرلمان وهو الحزب (ص) علي السلطة التنفيذية او الافتئات علي حقوق الحزب الفائز عنه الرئيس بانه يرفض تعيين رفض رئيس الوزراء مرتين ويقترح هو الثالث وهنا يلزم علي رئيس الجمهورية تعيينه.
كيف نحاسب الرئيس علي حكومة لم يختارها هو؟
كيف نعطي سلطة لمجلس النواب لم يفز بها في الانتخابات الرئاسية لمجرد اعتراض علي برنامج رئيس وزراء فقط يضع خطة تنفيذية لبرنامج اختار الشعب الرئيس من اجله؟
كيف سيكون الامر.. ألسنا نفرغ الانتخابات الرئاسية من مضمونها ألسنا هنا بصدد رئيس يسود ولا يحكم؟
ونقول هنا انه اذا اردنا ان نكون في نظام برلماني فلنفعل اما هذه الفقرات فانها تحدث كارثة سياسية ودستورية كبيرة وتصيب البلد بشلل كبير، وذلك في حالة استحواذ الحزب (س) علي الرئاسة والحزب (ص) علي البرلمان.
الفقرة / 6
"فإن لم يتم ذلك خلال ثلاثين يوما على الأكثر، يحل رئيس الجمهورية مجلس النواب"
هنا يفترض المشرع انه في حالة عجز الحزب (ص) عن تسميه رئيس الوزراء، يحل رئيس الجمهورية مجلس النواب بداية لا يتصور ان قيام مجلس النواب برفض شخصين مرتين متتاليين تعني انه ليس في نية مجلس النواب تعيين شخص بعينه خاصة واننا لسنا في الصومال حتي نفتقد الي الكفاءات (ونحتاس فيها يعني) فمن المنطقي ان رفض النواب لترشيح رئيس الجمهورية فإننا هنا نستدعي الشخص المرشح من قبلهم.
وتنص المادة في حالة العجز الرهيب عن ايجاد كوادر علي قيام رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب، والحق اصدقكم لا اعلم لماذا يصر المشرع علي خلق ازمة سياسية ودستورية فلماذا لم ينص علي انه وفي حالة عدم اختيار مجلس النواب لرئيس وزراء ثالث خلال ال30 يوم يسمي رئيس الجمهورية احد الاثنين الذين رفضوا في بادئ الامر، فليس هناك منطق من رفضي لاثنين وانني في عجز من اختيار رئيس للوزراء هذا علي فرضية لو ان هناك عجز في القيادات فمن يرفض امرا يقترح بديله وان لم يستطع فليصمت، بدلا من الدخول في فكرة حل المجلس وهو بهذا – اي الحل دون استفتاء – لم يعيد التوازن السياسي والمؤسسي الي رئيس الجمهورية فقد اصلا لانحتاج الي حل مجلس النواب في حالة اختيار رئيسا للوزراء من قبل النواب.
والغريب اننا هنا ايضا لم نعطي لرئيس الجمهورية حق ابداء الرأي في رئيس وزراءه المفروض عليه.
حقا ان المادة 145 مكتملة تثير الدهشة ولا اعلم كيف ترك الجميع كل ما بالمادة من عوار وذهبوا بها علي الي نطاق ضيق في حل النواب دون استفتاء، والحقيقة ان هذا الفرض نادر التطبيق ان لم نجزم بإستحالة تطبيقه خاصة في حالة عدم عجزنا عن اختيار اي كادر وعدم وجود صلاحية للرئيس للرفض وقد تركها المشرع للوقت وهو ليس بمعيار حكيم.
عزيزي المواطن انك هنا امام معضلتين الاولي هي تفسير الدستور المقترح تفسيرا صحيحا، والثانية ان النخبه لا تعني هذا التفسير وانها تتشدق برفضها للجمعية في حين انها لاتعي تفسير الدستور.
عزيزي المواطن كان الله في عونك