التاريخ : الأحد 21 october 2012 10:43:18 صباحاً
الخامس عشر من أكتوبر ، يتم تحديده لأول مرة هذا العام ليكون يوم المترجم السنوى فى مصر والذى يتفق مع عيد ميلاد شيخ المترجمين الشيخ رفاعة طهطاوى فى عام 1801وكان المركز القومى للترجمة قد رتب أن تقام الفعاليات فى أماكن ومؤسسات ثقافية كثيرة فى وقت واحد وكلها تحت إشراف المركز. كانت هناك إحتفالية المركز وكلية الألسن وجامعة المنوفية وساقية الصاوى وغيرها من الأماكن ولكن إختيارى وقع على إحتفالية مكتبة الأسكندرية للحضور. وتخيلت اننى سأقابل الشيخ هناك.
فى طريقى لعروس البحر الأبيض، أخذت أتذكر ما اعرفه عن الشيخ رفاعة وكيف أنه خرج مع بعثة أرسلها محمد على باشا الى فرنسا فى عام 1826 كشيخ أزهرى مصاحب للحملة ليعظ طلابها لكنه لأنه شيخ حقيقيى يؤمن بأهمية العلم والتعلم والإختلاط بالآخر وتعلم منه ما ينفع ولأنه أيضاً بعرف حكمة أن تكون أول آية منزلة فى القرآن هى" إقرأ " لأن الإسلام دين العلم والنور ، نجد الشيخ رفاعة بجانب الوعظ يتعلم الفرنسية ويبدأ فى ترجمة ما يراه مفيداً للبلاد ويكتب تحفته الرائعة فى وصف باريس أى فى وصف الآخر،و كما نعرف جميعاً يؤسس الشيخ رفاعة مدرسة الألسن للغات والترجمة لتصبح أول مؤسسة رسمية للترجمة تتسع أفسامها حتى تصبح فى وقت قليل مثل أول جامعة تشمل كليات الحقوق والتجارة والآداب، كان هذا ضمن نهضة شاملة أمتدت موجاتها فى البلاد وإتسعت لتشمل كل جوانب الحياة من زراعة وتجارة وعسكرية وآداب، صحيح ان نهضة محمد على باشا وقتها كان هدفها النهوض بدولت(ه) مصر، وأنه ربما يكون دافعها الأول لمحمد على باشا كقائد عسكرى وحاكم للبلاد دافع شخصى وليس لخدمة البسطاء، وصحيح أن عامة الشعب من الفلاحين الفقراء لم تصلهم النهضة كحالهم فى معظم عصور التاريخ المكتوب فى مصر وكأنه قدر دائم ان يبذل الفلاح عمره ويفنى جسده الأسمر النحيل ليشبع بطوناً غيره، إلا انها فى النهاية نهضة تبدو لى مدروسة ولهذا حققت أهدافها وبنت قواعدها على أساس سليم من المنطق، المنطق الذى أقر بأنه إذا كانت وقتها أوروبا "الغير مسلمة" هى قائدة التنوير اذن علينا أن نأخذ عنها ومنها إن أردنا اللحاق بركب التطور، تذكرت مبارك وقتها حين كانت البلاد تحت قيادته مثل فيل شاب قوى، ملئ بإمكانات العظمة ، مستنداً على تاريخ طويل من الزعامة ولكنه لم ينهض بها عن حق كما تستحق، ولا حتى بدافع شخصى مثل محمد على باشا! ترى مارأيك يا طهطاوى فى هذا؟
أصل الى المكتبة لتفاجئنى أعداد غفيرة من الناس حولها، فى بداية الأمر ظننت انها مظاهرة لكن ظنى تبدد حين رأيت تيشيرتات بيضاء مكتوب عليها "أراب آيدول" فى كل مكان وعرفت أن المكتبة قد تم تاجير جزء من المكتبة لإختبارات هذا البرنامج التنافسى الذى يتنافس فيه الشباب والشابات على المواهب فى الرقص والغناء. ورغم أن موقفى تجاه هذا البرنامج وأشباهه بالضبط مثل موقفى من مباريات الكرة من حيث أننى لا افهمها ولاأتخيل كم الحماسة المصاحب لها من جانب الشباب لكننى احترم إهتمامات الآخرين ولا أسخر منها وإن كنت دائمة التحليل لها، المهم هنا هو ان تتبنى المكتبة هذا النشاط التجارى، ولاغبار بالطبع حول توظيف المكتبة لبعض النشاطات المدرة للدخل لكننى تصورت أنه فى كل الحالات يجب أن تحافظ المكتبة على خطها الثقافى التنويرى التاريخى وهى تستفيد تجارياً خاصة أن الزائر للمكتبة سيجد أن كل جانب المكتبة المقابل للبحر قد تم إستغلاله تجاريا فى كافيهات ومحلات هدايا ومكتبات. كيف تشعر حيال هذا يا شيخنا؟
ولكن برنامج الإحتفالية قد نجح فى دفعى لنسيان كل شئ سوى الشيخ الطهطاوى والأسكندرية صاحبة الأرض كمنارة تاريخية، فالتنوع الغنى للجلسات والنخبة الممتازة من الأساتذة والمترجمين وكذلك الترتيب الجيد للمتحدثين والسائلين كانوا جميعاً مفخرة لفعاليات الإحتفال ربما على مستوى الجمهورية كلها.أدركت وقتها كما أدرك الجميع أن التميز الحالى فى يوم المترجم الذى نظمته مكتبة الأسكندرية تحت رعاية المركز القومى للترجمة هو نتاج فريق عمل مميز إجتهد قبل الفعالية بأسابيع ووضع خطة محكمة للتنفيذ والترتيب وإشتغل كفريق كامل وليس كنجم أوحد وشعرت بالفخرو شئ من الإطمئنان عزَ فى أيامنا هذه أن أشعر به فلا تزال عذوبة المصريين وجوهرية شخصيتهم هى صمام الأمان مهما إختلفت الحكومات أو تأزمت الأحوال وأنهم لو أصبحوا تروساً فاعلة فى ماكينة حقيقية لن يوقف تطورهم أحد. الحق أننى شعرت بالفعل بروح الشيخ رفاعة الطهطاوى مؤسس حركة الترجمة فى مصر الحديثة من حولى فى المكان، الطهطاوى االمترجم الذى عاصر من حكام مصر من شجع حركته التنويرية ومن قتل حركته ومن نفاه خارج البلاد ولكنه لم يتوقف يوماً عن محاولة تحقيق حلمه حتى يوم مماته، مترجم دؤوب، رجل تنوير حقيقيى، صاحب رسالة ثابتة لايحيد عنها. رحم الله الشيخ الطهطاوى وحفظ مكتبة الأسكندرية كمنارة ثقافية وأخذ بيد مصرنا فى نهضة حقيقية. |