التاريخ : الخميس 09 may 2013 10:02:22 صباحاً
هناك صِنفين من الناس أحدهما يحسب خطواته جيدًا .. يعرف إلى أين يذهب وكيف يذهب ومتى .. أما الثانى فلا يعرف على الإطلاق معنى كلمة "خطوات"،فيراوح مكانه،يقفز فى هرج..ويصدر صوت القطار "تووت ..تووت"،مطالبًا من حوله أن يفسحوا الطريق لـ "المجرى" .. وهذا النوع الثانى لا يوجد فقط فى "السرايا الصفراء" .
ما قامت به مؤسسة الرئاسة من ترقيع وزارى أمر لا يمكن وصفه إلا بأنه "ميتافيزيقى" خارق للطبيعة ! .. حيث يعجز العقل عن فهم طبيعة ذلك الترقيع،والنتيجة التى تهدف الرئاسة للوصول إليها من ورائه !.. وزير تخطيط هو استاذ فى "معهد التخطيط القومى" وكان قد شغل منصب مستشار وزير التخطيط لسنوات وكذا مستشار بمعهد التخطيط العربى يتم تغييره بمهندس ميكانيا تربة ! .. ووزير استثمار كان قد شغل منصب رئيس هيئة الاستثمار ورئيس هيئة التمويل العقارى يتم تغييره بمدير إدارة سابق فى إحدى شركات الاتصالات ،فيما تم استبعاد وزير مالية مبتدىء بآخر ليس لديه أي خبرة إلا في الموضوعات المتعلقة بالاستشارات الدينية !.
والأمر الذى يدعو للعجب أن النظام يسعى بكل ما أوتى من قدرة على "الشحاتة" للمسارعة فى الحصول على قرض صندوق النقد الدولى البالغ 4.8 مليار دولار،وفى الوقت ذاته يقوم بإزاحة أهم المفاوضين لديه (من خلال التعديل الوزارى) بعد أن تواصلوا مع إدارة الصندوق،واستشعرت هذه الإدارة أن بعضًا من هؤلاء الوزراء لديه الخبرة والفهم بما يعزز من قدرة الحكومة المصرية على تنفيذ برنامج الاصلاح الذى تم الاتفاق عليه ومن ثم كانت فرصة الحصول على القرض ليست بالصغيرة.
أما وأن النظام قد اختار أن يقصى هؤلاء الوزراء ويأتى بأخرين هم مجرد "ديكورات" ،فإن إدارة صندوق النقد ستعيد النظر مجددًا فى الاتفاقات المبدئية التى توصلت إليها معنا ،وسبب ذلك بكل بساطة أن الوزراء الأهم فى المجموعة الاقتصادية والمسئولين عن تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادى المتفق عليه قد تم تغييرهم بآخرين لا يمتلكون أيّة خبرات تجعل إدارة الصندوق تثق فى قدرتهم على تنفيذ برنامج الاصلاح ،وعلى هذا الأساس سيكون الحصول على القرض أمر بالغ التعقيد،وستكون الاتفاقات المبدئية كأن لم تكن .
ولابد أن نعرف جيدًا أن السبب فى اهتمام الصندوق بتنفيذ برنامج الاصلاح كشرط أساسى فى ضخ القرض لمصر،هو أنه يحرص على التأكد أن الأموال التى سيضخها ستعود إليه مجددًا،ولن يتأتى ذلك إلا بالاصلاح الاقتصادى الذى يضمن الوصول إلى معدلات نمو مقبولة وتحقيق الدولة لايرادات جيدة تمكنها من سداد القرض،وكلما كان المسئولين عن الدولة لديهم الخبرة،زاد من ثقة المؤسسة الدولية وكانت ثمة فرص للحصول على التمويلات،أما التغيير العشوائى الذى حدث والذى أتى بأشباه وزراء فإنه يرفع مخاطر ضخ القرص لمصر.
وللأسف أصبحنا الآن فى أمس الحاجة لقرض الصندوق،حيث تآكلت قيمة احتياطى النقد الأجنبى إلى 14.4 مليار دولار بالمقارنة بنحو 36 مليار دولار فى نهاية 2010 ،وقيمة الاحتياطى بوضعها الحالى لن تسعفنا فى استيراد احتياجاتنا الأساسية من غذاء ووقود،حيث تبلغ قيمة وارداتنا الشهرية ما يزيد على الـ 6 مليارات دولار ،ويضاف إلى الاستيراد ،التزام الدولة بسداد ديون خارجية تقترب من الـ 40 مليار دولار وهى تسدد كأقساط نصف سنوية وذلك نتبعه فى سدادنا لديون نادى باريس ،أو استحقاقات لسندات متى أتى موعدها فلابد من السداد.
ورغم أن قيمة قرض الصندوق ستضاف إلى الدين الخارجى إلا أنها ستتيح سيولة بالنقد الأجنبى تسدد على فترة طويلة ،وبسعر فائدة ضئيل، كذا فإن ثمة ميزة أخرى بهذا التمويل وهى فترة سماح تصل إلى 3 سنوات ،يضاف إلى كل ذلك الصورة الجيدة التى سيتركها لدى المؤسسات الدولية والمستثمرين الأجانب والتى تعكس بدء مصر فى تنفيذ برنامج إصلاحى مكنها من كسب ثقة مؤسسة دولية بثقل "صندوق النقد"، وعلى هذا الأساس كان من الممكن أن يكون الحصول على القرض بداية للاستفاقة .. إلا أن ما نحن فيه الآن من تخبط وقرارات غير محسوبة يجعلنا -بلا شك- دولة معاقة !.
|