فرصة أخرى وربما أخيرة تسنح الآن لإعادة النظر فى التشريع الهش الذى تضمّنه دستور 2012 المُعطّل للنظام الاقتصادى للدولة خلال المُراجعة التى تقوم بها لجنة الـ 50 لإصلاح ما أفسده الإخوان، فهل يلتفت أعضاؤها إلى حتمية إعادة النظر فى المواد التى يفترض أن تؤسِّس للنظام الاقتصادى فى الجمهورية الثالثة، أم تستمر هيمنة المُراجعة السياسية والفقهية، وتضيع هذه الفرصة؟!
ربما لم تنل المواد المُتعلقة بتأصيل النظام الاقتصادى عند وضع الدستور المُعطّل حقها من الإعداد والمُراجعة لضعف الخبرة أو سوء النية المُبيّت تجاه هذا النظام حتى أن جملة المواد التى تحدّد ملامحه لم تزد على 16 مادة فقط مثّلث نحو 7.2% فقط من إجمالى مواد الدستور البالغة 236 مادة تغافلت عن توصيف هوية ما لهذا النظام سواء كان رأسماليًا أو اشتراكيًا او حتى إسلاميًا، ولم يكن ذلك سوى تشخيص لفقر نظرى واضح، لأن الصياغة كانت فضفاضة ضعيفة الدلالة فى عدد مهم من المواد الـ 16.
ورغم أننا خصّصنا لهذا الشأن مُراجعة شاملة فى العدد "29" من المجلة يمكن لمن يرغب الرجوع إليه إلا أننا نعود لننبّه فى هذا المقام وقبل انقضاء هذه الفرصة إلى ضرورة إجراء التعديل الممكن لهذه المواد أو عدد منها حتى لا نؤسّس لنظام هش لا يستند إلى قواعد راسخة فى رسم سياساته وأهدافها، كما هو الحال فى الصياغة الراهنة للدستور.. فمن غير المقبول على الإطلاق أن تأتى مواد الدستور الاقتصادية خالية من أى ذِكر لـ "المالية العامة" للدولة وتحديد أولويات الإنفاق العام ثم نتحدث بعد ذلك عن أهداف العدالة الاجتماعية التى رفعت شعاراتها الثورة.
كذلك كيف يستقيم لدستور مدعو لصيانة الملكية العامة لا يفرد نصوصًا واضحة لإدارة الأصول العامة للدولة وغاياتها، والمقومات التى تجعل منها أصولاً عامًا، وما يجوز منها أن يتحوّل إلى أصول خاصة، والكيفية التى تنظلم ذلك وتصون الحقوق العامة للمواطنين.
قد يكون مغفورًا لدستور الإخوان أن يغفل لجهل أو يتغافل لسوء طوية عن الإشارة إلى هذه الركائز، ولكن لا يمكن أن يغفر الانتباه إلى هذه المزالق، وهناك من ينبّه إليها مُجددًا.
مرة أخرى يتعين على لجنة الـ 50 ضبط النصوص التى تقرّر مُراقبة الدولة للنشاط الاقتصادى وتنظيم السوق، وهو مفهوم مُغاير لما ساد فى العقود الماضية ويتلاءم مع طبيعة مُتغيرات النظام الاقتصادى العالمى ولم تتم الإشارة إليه فى النصوص المؤسسة للنظام الاقتصادى فى الدستور بما يفقد صياغة التشريعات المختصة فيما بعد المرجعية الواضحة التى تمثل غاية التشريع والإطار المُحدّد لأهدافه.
يتوجب كذلك عند مُراجعة النصوص الاقتصادية فى الدستور الانتباه إلى أن الوضع الحالى لهذه النصوص تجاهل موقف الدولة من الاستثمار والسياسات المُتعلقة به فى الوقت الذى تعرّض فيه لآلية الادخار كأداة لتعبئة الأموال دون تحديد أوجه أو غايات توظيف تلك المُدخرات، وبالرغم من أن القوانين المُختصة قد تنظم ذلك إلا أن هشاشة الإطار المرجعى للتشريع مُتمثلاً فى مواد الدستور الحالية يضعف مرة أخرى التأهيل لنظام اقتصادى عفى.
هناك حاجة أيضًا لضبط وتدقيق ما يختص بتنظيم العلاقات التجارية الدولية فى الدستور، والأحرى الاعتراف بالنشاط التجارى الذى أغفلت النصوص الحالية أى ذِكر له، بينما هى تتناول الأنشطة الاقتصادية الأخرى بالتحديد مثل النشاطين "الزراعى" و"الصناعى".
مثل هذه العيوب وأوجه القصور لا ينبغى أن تضرب لجنة الـ 50 الصفح عنها أيًا كانت الذرائع ولو غاب عنها المختصون بالشأن الاقتصادى.. فذلك عذرٌ أقبح من ذنبٍ!!.