التاريخ : الأحد 31 july 2011 12:48:35 صباحاً
البعض داخل الجهاز المصرفى من قيادات البنوك يعتقد أن الأفضل أن يكون آخر من يتحرك فى سوق يكتنفها الغموض، وتؤثر تداعيات المشهد السياسى فيهاعلى فرص تشوّف المستقبل القريب للسوق، وقد يكون هذا الموقف الأكثر قبولاً بين قيادات البنوك لطالما أن درء المخاطر فى هذه الفترة مُقدمٌ على جلب الأرباح، فالأخيرة قد تتحقق، ولكن كلما زادت درجة المخاطرة أصبح هامش الربح -القابل للضياع فى أى لحظة- غير ذى جاذبية.
هذا صحيح، وقد لا تتحمل المراكز المالية لبعض البنوك زيادة حدّية فى درجة المخاطر.. ولكن إلى متى يمكن أن يستمر مثل هذا الوضع الذى يجعل البنوك أكثر تحفظًا تجاه الإقراض؟! وهل تتحمله طبيعة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، التى سيكون عليها الانتظار طويلاً حتى تعاود البنوك نشاطها؟!
عودة البنوك إلى الزيادة التدريجية فى مُعدلات الإقراض ليست ترفًا يمكن غض النظر عنه مؤقتًا فى هذه الظروف لأن هذا الموقف الدفاعى الحذر هو وضع استثنائى لا يمكن تمديد صلاحياته، وإلا فقد مُبررات استمراره، ولعل ذلك ما دفع البنوك الواحد تلو الآخر لطرح أوعية وأدوات ادخارية جديدة مُتفاوتة الآجال، وهو الأمر الذى بات يستلزم استكمال الشطر الثانى لمُعادلة التشغيل داخل البنوك، والبدء سريعًا فى منح الائتمان مع اتخاذ جميع إجراءات الحيطة والحذر.. فهل سيحدث ذلك؟!
للأسف مازالت غالبية البنوك تُؤثر السلامة، وهذا الوضع عندما يزيد على حده -وهو هنا الانتقال من التباطؤ إلى الانكماش الاقتصادى- ينقلب إلى ضده.. أى يتحوّل التحوّط إلى خسائر أو تراجع درامى فى الأرباح، لهذا فإن البنوك مُطالبة بتجاوز جدار الخوف الوهمى والتحلّى بروح المغامرة المحسوبة لأن هذا هو دور التمويل، وغالبًا بقدر ما تكون المبادرة إلى اقتناص الفرص فى هذا السباق -الذى عادة ما يبدأ حذرًا- بقدر ما تكون الكاسب بعد أن تتغير مُعطيات عديدة داخل السوق.
ولا أبالغ إذا قُلت: إن خريطة جديدة للسوق الآن على وشك التشكيل، وهذا يعنى بطبيعة الحال أن هناك حصصًا سوقية سيُعاد ترتيبها وسوف يكون ذلك لصالح البعض على حساب البعض الآخر لأن الخطوات الاستباقية التى سيتم اتخاذها فى هذه الفترة ستكون لها الكلمة الحاسمة فى عملية إعادة توزيع الحصص السوقية المُرتقبة، لهذا فإن ما يعتبره البعض مُجازفة فى الفترة القليلة المقبلة لن يصبح كذلك، وإنما على العكس هو محاولة لاقتناص نصيب من المستقبل.
ما يقوم به طارق عامر، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى، ورئيس اتحاد البنوك، لن يكون مُجازفة -كما يعتقد البعض- أو «توريطًا حكوميًا» لبنك قطاع عام هو فى نهاية المطاف أداة لتحقيق أهداف الموازنة العامة للدولة، لكن من يعرف «عامر» عن قرب يستطع أن يقطع بأنه هو نفسه قد أخذ على عاتقه تنفيذ هذه المهمة الدقيقة والحاسمة ألا وهى استئناف ضخ الائتمان إلى شرايين الاقتصاد بقوة، وهو عندما يقتنع يُخلص كثيرًا لقناعاته وقد لمست ذلك عن قرب خلال لقائه بجمعية مُستثمرى مدينة دمياط عندما فاجأ -حتى مُرافقيه من قيادات الائتمان- بخفض سعر الفائدة على قروض المشروعات الصغيرة إلى 7 % حتى نهاية العام الحالى رغم أن سعر الفائدة المميّز والمُقدّم من البنك بصفة عامة لهذه الخدمة هو 9% .. مع ذلك فإن جانبًا من هذا التحرّك يعود إلى «حرفية» هذا المُوجّه لتلك الحملة.
فـ«عامر» وهو يتقدّم لهذه المهمة يضع فى اعتباره منذ البداية أن الكلفة التى سيتحملها وسط إحجام الآخرين، بالرغم من حثّه لهم على الاقتداء بالتجربة والمشاركة فيها، له ما يُبرره وليس عملاً مجانيًا غير مدفوع الثمن، فبالرغم من أن البنك الأهلى هو صاحب الحصة الأكبر من الودائع «نحو 344.7 مليار جنيه» وهو أيضًا صاحب الحصة الأكبر من القروض «نحو 81.60 مليار جنيه»، فإن إقدامه على هذه الحملة يُزيد من حصته السوقية ودوره المُؤثر فى قيادة السياسات التى تستهدفها الدولة فى مجال التنمية، وهو ما سيُترجم فى نهاية المطاف إلى أرباح ومؤشرات مالية لا تعرف المواربة، وتلك هى «حرفية» هذا التوجّه.
خريطة السوق سوف تتغير على إثر ذلك، لأن بنوكًا أخرى سوف تلحق بالأهلى مثل «التجارى الدولى» و«الأهلى سوسيتيه» و«العربى الأفريقى» و«مصر»، ولكن الأهم من صراع الكبار، الذى يبدو تقليديًا.. أنه فى هذه الأثناء تتسع السوق لاستقبال طفرات من بعض البنوك ما كانت لتدركها فى غير هذه الظروف، فكل 1 % زيادة فى أى حصة سوقية لسوق بمواصفات السوق المحلية، هو إنجاز يستحق النضال من أجله والتحرّك خطوة إلى الأمام مُبكرًا لأن ذلك يمكن أن يُساوى الكثير.
وعلى البنوك أن تُدرك أن السياسة النقدية الحكيمة التى يتَّبعها «البنك المركزى» والتى تأخذ فى اعتبارها ظروف السوق والضغوط التى تقع على البنوك فى الوقت الراهن، لن تكون وسيلة لتدليلها على حساب مُتطلبات النشاط وأن عليها أن تتحسب للحظة التى سيُقرّر فيها «المركزى» حض البنوك على منح الائتمان عن طريق التأثير فى أسعار العائد ودون تدخل مباشر وسيكون عليها فى هذا التوقيت أن تلحق بالركب «صاغرة» بعد أن تكون قد خسرت مزايا المُبادرة.
الرهان مفتوح الآن أمام الجميع.. والسوق تفتح ذراعيها أمام المُبادرين حتى يُعيدوا رسم الخريطة المُستقبلية لها.. ومن يتردّد عليه الانتظار حتى يرى..!!
|