التاريخ : الثلاثاء 02 augu 2011 11:59:24 مساءً
"واقعة العريش" أعادت إلى الأذهان عصور التنظيمات المسلحة التي شهدتها مصر وعانت منها لسنوات طويلة شهدت خلالها مرحلتين من العمليات المسلحة، المرحلة الأولى عندما قام التنظيم الخاص للأخوان المسلمين في الأربعينيات من القرن العشرين بالعديد من العمليات المسلحة ضد عدد من رموز السلطة والمصالح الأجنبية بالبلاد، وما لبث أن تحول الأخوان المسلمون عن العمل المسلح حتى ظهرت منظمة الجهاد الإسلامي ومنظمة الجماعة الإسلامية، وعدد من المجموعات الإسلامية الصغيرة الأخرى؛ فخاضت العنف السياسي المسلح منذ السبعينيات وحتى التسعينيات من القرن العشرين، وانتهت هذه المرحلة وأطلق المحللون عليها عصر ما بعد الجماعات الإسلامية.
المرحلة الثانية هي مرحلة المتعاطفين مع القاعدة فكريًا دون اتصال عضوي وتنظيمي، والتي بدأت العام 2003 بإعلان الأجهزة الأمنية القبض على تنظيم جديد اسمه "جند الله"، كان يخطط لنسف السفارتين الأمريكية والإسرائيلية، وعدد من المصالح الأمريكية بالقاهرة، وكان أغلب أعضاء هذا التنظيم من الشباب الناجح في حياته العملية، وبسبب تأثرهم بدعاية القاعدة على الإنترنت قرروا تكوين هذا التنظيم، حيث سعوا في البداية إلى السفر للقتال في الشيشان أو فلسطين؛ لكنهم فشلوا، واستقر رأيهم في النهاية على استهداف المصالح الإسرائيلية والأمريكية في مصر، واتخذوا عدة خطوات ناجحة بهدف إنشاء مصنع لمادة الـ "تي إن تي" شديدة الإنفجار تحت ستار تأسيس مصنع صابون لكي يوفروا لعملياتهم الكميات اللازمة من المتفجرات، لكنهم ألقي عليهم القبض قبل أن يتحركوا.
وبعد غزو العراق في 2003 تم القبض على تنظيم يضم أكثر من مائة من الشباب أغلبهم من الأطباء والمهندسين المتميزين وطلبة الجامعات، وأُطلق عليه آنذاك تنظيم الإنترنت، وقد تأثروا أيضًا بدعاية القاعدة، وحاولوا الاتصال بها، لكنهم فشلوا، وكان هذا التنظيم يهدف للجهاد في فلسطين والعراق، وقد قبض على البعض منهم بواسطة السلطة الوطنية الفلسطينية بعد نجاحهم في التسلل إلى غزة فعلاً، وتم تسليمهم للسلطات المصرية، كما تم القبض على أحدهم في بنجلاديش بواسطة الـ "سى آى إيه" عندما كان يحاول الاتصال بأحد عناصر القاعدة هناك لعله يسهل له السفر إلى العراق، ويرتب له طريقًا لنقل أعضاء التنظيم إلى هناك، وفي أكتوبر من العام 2004 هزَّ انفجارٌ كبيرٌ فندق هيلتون في طابا أسفر عن قتلى وجرحى، أغلبهم من السياح الإسرائيلين، ثم في يوليو من العام 2005 تم تفجير مرافق سياحية في شرم الشيخ أسفرت أيضًا عن قتلى وجرحى.
تلاه في إبريل من العام 2006 استهداف منطقة دهب بانفجار مماثل، وفي الحوادث الثلاثة تم اتهام "تنظيم التوحيد والجهاد"، وهو تنظيم إسلامي سري كل أعضائه من أبناء سيناء، وكانوا قبل تأسيس هذا التنظيم لا يؤيدون العمل المسلح، لكنهم تحوّلوا مع بداية انتفاضة الأقصى - سبتمبر 2000- إلى فكر منظمة القاعدة الذي درسوه عبر الإنترنت، وأسسوا هذا التنظيم وسعوا إلى السفر للجهاد في الخارج "العراق والشيشان وكوسوفو وفلسطين"، لكنهم فشلوا في الوصول لأيٍ من هذه الجبهات؛ فقرروا مهاجمة أهداف داخل سيناء اعتبروها إسرائيلية وغربية؛ فكانت هذه الحوادث الثلاثة.
وفي7 أبريل 2005 فجر شابٌ نفسه في خان الخليلي بهدف قتل سياح، وفي 30 أبريل من العام نفسه فجر شابٌ أخر نفسه بنفس الغرض في ميدان عبدالمنعم رياض؛ بينما وفي نفس الوقت أطلقت فتاتان النار على أتوبيس سياحي في ميدان السيدة عائشة ثم انتحرتا، وتبين من التحقيقات بعد ذلك أن الحوادث الثلاثة تتعلق بمجموعة جهادية واحدة، يقودها إيهاب يسري الذي فجر نفسه في ميدان عبدالمنعم رياض، وأن هذه المجموعة بنت استراتيجيتها على مهاجمة الأوروبيين والأمريكيين استجابة للأفكار التي تدعو لها القاعدة عبر شبكة الإنترنت، كل هذه التنظيمات التي وقفت وراء كل هذه الأحداث كانت تنظيمات متعاطفة مع القاعدة تبنت فكر القاعدة عبر الإنترنت ولكنها لم تنجح في تحقيق اتصال عضوي مع منظمة القاعدة خارج مصر، ومن ثم ارتكبت ما ارتكبت من أحداث بناء على تعاطفها الفكري مع القاعدة فقط، وبإمكاناتها الذاتية فقط، وجاء تفجير الحسين 22 فبراير 2009 ليضع نهاية لهذه المرحلة "مرحلة التنظيمات الإسلامية المتعاطفة مع تنظيم خارجي"، مجرد تعاطف فكري دون اتصال تنظيمي عضوي.
ثم جاءت واقعة العريش التي قام فيها ما يقرب من 200 مسلح ملثم على الدرجات النارية وسيارات الدفع الرباعي بمهاجمة قسم شرطة العريش في عملية ليس لها مبرر سوى استعراض القوة وفرد العضلات؛ حيث ظهر الملثمون فجأة واختفوا فجأة، تاركين وراءهم عشرات الأسئلة حول كونيتهم، وأهدافهم، وهل هذا تنظيم خارجي أم داخلي؟ وهل هذه هي الموجة الثالثة من التنظيمات المسلحة التي ستشهدها مصر في الفترة المقبلة في ظل الغياب الأمني؟ لمعرفة إجابة هذا السؤال لا بد أن نقف على حقيقة هذه المجموعة وأهدافها..
قال مشايخ القبائل السيناوية إن المجموعات المسلحة التي هاجمت مدينة العريش خرجت من قرية "القريعة" القريبة من مدينة الشيخ زويد، والتي تعد المعقل الرئيسي للسلفية الجهادية في شمال سيناء، وأن هذه المجموعة تتحصن بالجبال، وترفع رايات تنظيم القاعدة سوداء اللون، وأن ما قامت به كان تمهيداً لإعلان "الإمارة الإسلامية" بشمال سيناء، وإن هذه المجموعة تقول علنًا إنها قامت بتفجير خط تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل والأردن وشمال سيناء، وأجرت عدة بروفات لهجومها على العريش بمدينة الشيخ زويد القريبة من قرية القريعة التي ينتمي عناصرها لها.
ثم أعقب هذه التصريحات خروج بيان منسوب لما يسمى بتنظيم القاعدة يدعو لتحويل سيناء لإمارة إسلامية تم توزيعه على بعض مساجد مدينة العريش بسيناء - بعد انتهاء صلاة التراويح - يدعو إلى تحويل سيناء لإمارة إسلامية، وحمل البيان عنوان "بيان من تنظيم القاعدة في شبه جزيرة سيناء"، وتضمن آيات قرآنية تشير إلى أن الإسلام هو دين الحق، وأنه لا بد من اتباعه، وتساءل عن دور القوات المسلحة المصرية في إيقاف تهريب السموم إلى سيناء، كما تطرق إلى الظلم الذي يتعرض له بدو سيناء، ونهب ثروات سيناء، وختم البيان بعبارة "كفانا جهلاً"، وهي العبارة التي يروج لها أعضاء تنظيم التكفير والهجرة في سيناء لمن حولهم منذ بداية توسع مد الفكر السلفي الجهادي بصحراء سيناء في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين.
ظل تنظيم التكفير والهجرة - حسب تسمية السيناويين - يعمل في الخفاء حتى إعلان تنحي الرئيس مبارك، وسقوط وزارة الداخلية ووزيرها حبيب العادلي الذي كان يعتبر كافة التيارات السلفية عدوه الأول يلاحق أفرادها أينما وجدوا، بعد أن حملها المسؤولية الكاملة عن تفجيرات سيناء الإرهابية التي وقعت في طابا وشرم الشيخ ونويبع ودهب، بل اتهم التنظيم بتدبير أحداث الحسين وكنيسة القدسين.
التنظيم الذي ظل في الجحور لسنوات طويلة تم اعتقال أغلب قادته، ومطاردة زويهم عاد للنور من جديد بعد الإفراج عن قادتهم التنظيميين في نهاية حكم مبارك في إطار مسمى تصالح الشرطة مع بدو سيناء، وهو التصالح الذي أتاح لكثير من أعضاء الجماعات السلفية الدعوية منها والجهادية، الخروج من المعتقلات، خروج أعقبه إفراج المجلس العسكري عن بقيتهم بعد الثورة في محاولة لتهدئة الأجواء الأمنية في سيناء بعد انهيار المنظومة الأمنية هناك.
ومع حالة الانفلات الأمني بدأ الإعلان عن نظام خاص بهم، وإخضاع سيناء بكاملها لسطوتهم تحت قوة السلاح؛ لتحقيق نموذج كيان إسلامي قائم على رؤيتهم، وقاموا باستعراض القوة من خلال تنظيم استعراضات عسكرية بمواكب، جابت أكثر من مرة مدن الشيخ زويد ورفح تضمنها رفع الرايات السوداء، وأسلحة حديثة تتخللها صيحات جهادية مقتبسة من شعارات تنظيم القاعدة، ومحاولتهم أكثر من مرة تدمير ضريح الشيخ زويد، وقال الأهالي إنهم يقومون بإجراء تدريبات على القتال بأسلحة متطورة في مناطق نائية بعيدة بشرق العريش، وجنوب قرية الجورة على بعد نحو 25 كم من الحدود مع فلسطين، وتكثيفهم عمليات شراء السلاح من التجار والمهربين بالمنطقة.
بروز المد السلفي المسلح بسيناء يثير تساؤلات حول علاقة ذلك التنظيم السيناوي بفكر التيار السلفي الجهادي بقطاع غزة، والمتمثل في تنظيم جند الإسلام، وسعيه للسيطرة على قطاع غزة ونشر بذوره في المنطقة، وما يشهده قطاع غزة من صراع سياسي بين حركات فلسطينية تسعى كل من جانبها للسيطرة على سدة الحكم، وتزامنه مع نمو ملحوظ ومعلن لنشاط إمبراطوريات التهريب العالمية التي تعتبر سيناء ممرها الآمن لتمرير بضائعها من البشر المرحلين من إفريقيا، وبعض دول آسيا والاتحاد السوفيتي السابق إلى إسرائيل وشحنات المخدرات والأسلحة إلى عملائهم من الأفراد والجماعات والدول أيضًا.
يظل السؤال قائمًا.. هل دخلت مصر عصرًا جديدًا من عصور التنظيمات الإسلامية المسلحة؟ وهل سنشهد عروضًا استعراضية جديدة من هذه التنظيمات خلال الأيام القادمة؟ وهل ستكون مصر ملعبًا لمثل هذه التنظيمات؟ وهل ستتحول سيناء وجبالها إلى أفغانستان جديدة؟ وهل ستعيش مصر عصرًا من أزهى عصور التنظيمات المسلحة؟!.
جميعها أسئلة ستجيب عنها الأيام القادمة.
|