التاريخ : الأربعاء 03 augu 2011 12:05:53 صباحاً
لم تكن "المادة الثانية من الدستور" ولا "هوية مصر الإسلامية" مطروحة للنقاش أو الجدل بين الأراء والتوجهات السياسية كافة، بشكل مباشر أو غير مباشر قبل الجمعة الماضية، حتى يرفع مئات الآلاف من الملتحين الذين تحركوا من محافظات مصر نحو ميدان التحرير برايات سوداء من أجل حماية المادة الثانية، والهتاف – بحناجر لا أعرف كيف تصدق نفسها - مطالبين بإسلامية الدولة، ومهددين بالوقوف بالروح والدم فى مواجهة أية محاولات توفيقية يدرسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مثل وثيقة المبادئ فوق الدستورية أو وثيقة المبادئ الحاكمة لاختيار لجنة صياغة الدستور، واللتان لم تقتربا من بعيد ولا قريب من هوية مصر الإسلامية، ولا طالبت بإلغاء المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى مصدر رئيسي للتشريع.
كل ما كان مطروحا على الساحة هو وأد "غزوة التخوين" التى إنتقلت كالعدوى من خصوم حركة 6 إبريل السياسيين، بداية من جماعة "الماسورة الأم" الى حزب "الأجزخانة" مرورا بالتابعين والطامعين .. حتى بلغت محطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتوجيه أحد أعضاؤه إتهامات بتلقى تمويل وتدريبات من الخارج للعمل ضد المصلحة المصرية.
كان مطروحا أيضا أزمة موقعة العباسية .. وتقييم مسيرة ثوار التحرير نحو مقر وزارة الدفاع لإيصال رسالة الى قيادات "العسكرى" .. وعلى الحافة كانت قضية حقوق الشهداء ومحاكمة قتلة الثوار والمطالب الأخرى التى رفعتها ميادين التحرير والتى شملت تغيير النائب العام واستبعاء رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وتطهير القضاء، ووقف محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى.
لكن تيار السلفية الوهابية الذى قرر ممارسة السياسة بعد كبت وقهر النظام السابق، والذى كان يرى أن أحداث الحادى عشر من صفر – التى هى ثورة 25 يناير – ما هى الا خروج غير محبب على الحاكم، وإخلاءا لبيوت الله منهم وهم العابدون الخاشعون على حساب مقاومة حاكم ظالم، وإنضماما لمتظاهرين لم يكن ذكر الله على ألسنتهم، هؤلاء قرروا أن "يخرقوا صفوف المصريين" فى جمعة كانت مقدرا لها أن تحمل إسم "توحيد الصفوف"، ورفعوا شعاراتهم ومطالبهم وراياتهم، وإعتبروا المليونية الماضية محل إستعراض عضلاتهم وتبيان قوتهم وتعدادهم، خاصة وأنهم قادرون على تصوير "عزوة التحرير" لأتباعهم كأنها جهاد فى سبيل الله، ونصرة لدين الحق ورسول الإسلام، وفرضا على كل بالغ عاقل "سلفى"، ولما لا وهم أصحاب نظرية "إسمع كلام شيخك .. حتى لو كان غلط".
وكما لم تكن المادة الثانية من الدستور مطروحة ضمن المواد التى تم الاستفتاء عليها فى 19 مارس، حين إستخدم تيار السلفية الوهابية هذه الفزاعة لحشد الناس للموافقة على تعديل الدستور، والتهليل والتكبير فى المساجد فرحا بـ"غزوة الصناديق" و"النصر الكبير" ورفع شعار "اللى مش عاجبه يمشى"، مرت الجمعة الماضية، التى أصابت كثيرون بالإحباط والخوف على مصر من أن تتحول الى "جمهورية مصر السعودية" وشطب هويتها المعتدلة التى عشنا بها ألف عام، بعد أن ظهرت فى الميدان لأول مرة أعلام "دولة العراق الإسلامية" بعد أن ظل علم مصر هو العنصر الأساسي فى مشهد الثورة الطاهرة منذ 25 يناير وحتى الجمعة الأخيرة، وحين حاول هؤلاء إقناع المصريين بأن التحرير هو بوابة تطبيق شرع الله، وكأننا كنا نخاصم شرع الحق، حتى فى العهد البائد، وكأنهم هم الإسلام وما عداهم مسلمون جدد، وأنهم وحدهم المخولون بتطبيق الشريعة والمطالبة بها.
لقد إستنكرت كل القوى الخبيرة بشؤون السياسية ما أظهره السلفييون فى التحرير يوم الجمعة.. بما فيهم "جماعة الماسورة الأم" وفروعها .. والملاحظ أن الغرور والتعالى والغطرسة صارت لغة هؤلاء .. وتلك أولى الأخطاء فى لعبة السياسة "القذرة" التى قرروا أن يخوضونها بجلباب أبيض ولحية وراية سوداء. |