التاريخ : الأربعاء 03 augu 2011 05:17:05 مساءً
الدولة المدنية قادمة رغم ما حدث الجمعة الماضية ومحاولة الاحتطاف التي تعرض لها ميدان التحرير من التيار السلفي.
نعم الدولة المدنية قادمة، وليس ذلك من باب الدعاية المضادة التي تستهدف نفي الطرح الذي رفعته بعض الجماعات الدينية حول مواصفات الدولة الجديدة القادمة في مصر.
ليس كل ما حدث يوم الجمعة الماضية سلبيًا يدعو إلي التشاؤم كما صورت ذلك العديد من القوي السياسية الليبرالية والعلمانية، وغيرها من خارج أنصار الإسلام السياسي، فقط كان لابد من الصبر قليلاً من أجل قراءة متأنية تكشف ردود الأفعال لدي مختلف الأطياف السياسية حتي نري الصورة أقل غموضًا وحتي نعرف هل تم استيعاب الوضع الذي دفع إليه التيار السلفي؟!
الدولة المدنية هي دولة توافقية، وهذا يعني أنها الإطار الشرعي الذي يستوعب الجميع لهذا فإن الصراع بين القوي السياسية المختلفة هو تأكيد علي الحاجة إليه فالحلول التوافقية هي التي تنشأ تفاديًا لصراع كان قائمًا أو تلوح نذره، بينما الدولة “الثيوقراطية” أو الدينية كما عرفها التاريخ ويبشرنا بها البعض حاليًا هي دولة “مغالبة” وقهر لإن الدين لا يحكم علي الإطلاق ولكن نفر من الناس يحكمون هم بإسمه وعبر سطوته فلا يجرؤ أحد علي معارضتهم وإلا ضربت عنقه، وبالتالي لا مجال للديمقراطية أو حقوق للإنسان إذا إدعي أصحاب السلطة أنهم يستمدونها من الله _ وبئس ما يدعون _ لهذا ساورت مشاعر القلق غالبية من تابع المشهد السياسي يوم الجمعة الماضية وحالة استعراض القوة التي مارسها التيار السلفي، وفاجأ بها حتي حلفاء الأمس القريب.
قد لا نعرف علي وجه الدقة التوقيت الذي تصبح فيه مصر مهيأة لإقامة دولة مدنية بالمفهوم العصري تستوعب مختلف القوي السياسية بمن فيهم السلفيون أنفسهم، ولكن ردود الأفعال علي ما حدث تشير إلي جملة من المتغيرات التي تقترب بنا من هذا الخيار وينبغي أخذها في الاعتبار لعل أهمها "تكتيكيًا" في اللحظة الراهنة هو حالة التنبيه التي أثارها تحرك التيار السلفي، فمحاولة لفت الانظار إليه سلطت عليه الضوء أكثر مما كان يحتاج إليه، وفي مقابل ذلك نشأت ثلاث ردود أفعال متباينة، أولها رد فعل تيار الإخوان المسلمون الذي عبر عنه القيادي البارز الدكتور محمد البلتاجي بعد 72 ساعة من التحرك السلفي وهو ما يعني أن ما صدر عنه لم يكن رد فعل انفعالي وإنما علي العكس ربما كان موقفًا جماعيًا وهو الأرجح، فالبلتاجي اعتبر ما قام به السلفيون ليس هو النموذج المطلوب لتحرك القوي الإسلامية وأن جميع الحلول التي يرفعها التيار الإسلامي ينبغي أن تكون توافقية وتأتي بطريق ديمقراطي يخضع لاختيار الشعب بما في ذلك شعار تطبيق الشريعة الذي لا يعد مجالاً للخلاف، بل ان الرفض الاخواني بلغ منتهاه في كلام البلتاجي عن رفضه حديث اي تيار بما في ذلك التيار الديني عامة باسم الاجماع الشعبي لان احداً من القوي السياسية لا يمثل الشعب المصري كله.
وبالتالي فإن أي تحرك لبناء قاعدة إجماع وطني لابد ان يعي جيداً أن ذلك يمر عبر الطريق التوافقي وليس قهراً.
تحليل كلام البلتاجي يكشف مقدار القلق الذي سربه استعراض القوة السلفي إلي جماعة الاخوان نفسها حتي كاد يقترب نقد هذا القيادي كثيراً من انتقادات القوي غير الاسلامية اما رد الفعل الثاني فيتعلق بموقف تلك القوي الديمقراطية الليبرالية التي تبعثرت علي مدار سبعة اشهر من الثورة ما بين احزاب وإئتلافات ومجالس وحركات، فهذه القوي لم تكن تدرك مقدار “هشاشتها” التنظيمية إلي الدرجة التي كشفت عنها الجمعة الأخيرة، فنفوذها الشعبي لا يمثل اكثر من تعاطف جماهيري بدأ يفتر لدي الفئات الدنيا في المجتمع التي بدأت فرص العيش تضيق من حولها دون أمل حقيقي في النجاة يرتبط بما يطرحه هذا التيار، لهذا كان ضروري ان تحدث تلك الصدمة ولعل هذا ما دعا الناشط السياسي الدكتور مصطفي النجار إلي الاعتراف بضرورة مراجعة المواقف داخل هذه القوي بعد الجمعة الأخيرة، وحتمية الاقتراب من القواعد الجماهيرية الحقيقية في الصعيد والريف.
تجلي رد الفعل الثالث في موقف القوات المسلحة الذي ظهر بالغ الحسم فيما يتعلق بالموقف من إخلاء ميدان التحرير من المعتصمين ولو بالقوة رغم نفي المجلس العسكري ذلك، ولكن يمكن ملاحظة الهامش الزمني الطفيف بين ما اعلنته بعض الفرق السلفية من استعدادها لاقامة صلوات القيام والتراويح بالميدان خلاف موائد الافطار حتي يواصلون عروض استعراض القوة في “التحرير” وقيام المجلس العسكري بفض تلك الاعتصامات، وهو إجراء أراد إيصال رسالة من ورائه بأن الجيش يعتزم تصعيد المواجهة ضد المواقف الانتهازية واستعراض القوة غير المبرر، لم يعلن المجلس العسكري ذلك صراحة واكتفي بتمريره علي أرض الواقع وهو يضع في اعتباره ان يكون الحسم عنواناً لسياساته في الفترة المقبلة حتي لا تفلت السيطرة علي الوضع الداخلي من بين يديه.. وهو التهديد الذي زادت مؤشراته مع تصعيد القوة السلفية.
لا يمثل التيار السلفي تهديدًا لمستقبل الدولة في مصر، وإنما يأتي التهديد من المواقف التسلطية التي تنزع إلي الاستخدام الغاشم للقوة، فقد ظل هذا التيار لعقود طويلة متوافقاً مع النظام السابق وخاضعاً لاحكام القانون المدني السائد، وتمكن من التعايش _ ولابد ان يفعل مرة أخري _ في ظل الدولة المدنية القادمة.
|