التاريخ : الأحد 07 augu 2011 04:25:54 مساءً
رغم التفاؤل الذى يملأ صدور المصريين منذ إسقاط النظام الفاسد، والتلّهف لرؤية الغد بشمسه المُشرقة التى أَذيل عنها رغام حَجَب ضوءها لسنوات، فإن ذلك الغد وتلك الشمس يبدو أنهما لن يهلا علينا فى القريب، فما يحدث حتى الآن من تغييرات -لاسيما فى قطاعات الاقتصاد- لم يتجاوز التغيير الشكلى بينما- مازالت سياسات ومناهج العمل كما هى، بفشلها وغبائها "وشكلها العكر".
وما لاحظته فى الفترة الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بسياسات وزارة المالية، يستحق وقفة حقيقية، فقد تحولت المؤسسة الاقتصادية الأهم فى الدولة إلى مجرد وزير وليست وزارة، أى تم إلغاء الكيان المؤسسى، وأصبح المُعبِّر عن توجهات الدولة المالية هو شخص الوزير، وذلك يُعيدنا إلى فترة الرئيس المخلوع حيث اختفى الفكر والتوجه المؤسسى وطغت قناعات وقرارات الأفراد فكان أن وصلنا إلى أسوأ النتائج، وأفشل القرارات، وأفسد الأشخاص.
وإذا نظرنا إلى آخر فترة يوسف بطرس غالى، وزير المالية الأسبق، سنجد أنه وقّع اتفاقًا مع 5 بنوك لإقراض موظفى الحكومة بضمان وزارة المالية، وقيل إن هذا المشروع سيبدأ فى يناير الماضى، إلا أنه لظروف الثورة تأخر التنفيذ، لكن وبعد أن تم تعيين الدكتور سمير رضوان، وزير المالية السابق، تم إلغاء المشروع ولم يتحدث عنه الوزير مطلقًا، ويبدو أن هذا المشروع لم يكن على هوى سمير رضوان، رغم جدواه الاقتصادية، وعدم تراجع البنوك عن توفير التمويلات، وقد قام الوزير أيضًا بإلغاء طروحات لسندات حكومية طويلة الأجل، واستبدلها بأذون خزانة.
وكان السبب الذى استند إليه سمير رضوان فى تحويل دفة أدوات الإقراض الحكومية من السندات إلى الأذون فقط، أنه كان يخشى أن تتحمل الدولة سعر فائدة عالى، نظرًا لأن السندات أعلى فائدة من الأذون فى الوقت الطبيعى، ومع ارتفاع مخاطر السوق، سترتفع أسعار الفائدة، ومن ثم اختار الوزير الابتعاد عن السندات، وكان أن كثف طروحات الأذون.
ثم أن جاء التغيير الوزارى الذى شمل سمير رضوان، حيث تولى حازم الببلاوى المنصب، وعلى نفس نهج سابقيه وطريقتهم فى البدء من خط الصفر ومحو آثار سابقيه، قام "الببلاوى" بتغيير سياسة الاقتراض وطرح فى الأسبوع الأول من توليه الوزارة أول سند حكومى بعد الثورة، ثم استمر فى طرح السندات طويلة الأجل، وقد ضرب بسياسات الوزير السابق له عرض الحائط، وبالفعل تكلفت الدولة أسعار فائدة كبيرة تجاوزت الـ 13 % فى السندات لأجل عامين، إلا أن الوزير استمر فى طريقه، فلا يهم سوى أن يجرّب طريقته وكأن البلد "فأر تجارب".
المهم فى الموضوع أن ما كنّا نعانيه من التخبط فى العهد البائد، مازلنا ندور فى فلكه اليوم، والسبب هو أن الشخصنة تطغى على المؤسسات، فلا أحد يكمل مسيرة غيره، وهذا ما يعطينى احساس أن كل المسئولين على خطأ، وأن أى إجراء يقوم به وزير اليوم، سيأتى بعده من يمحوه من السجلات ويبدأ هو طبقًا لطريقته الخاصة، وعلى كل موظفى الوزارة ومسئوليها الانصياع وتغيير طريقة العمل، وللخلف دُر، وما أريد أن أقوله لا يتعارض مع مبدأ التغيير، على الإطلاق، لكن ما أنا ضده هو التخبّط والتغيير من أجل التغيير، وليس من أجل الإصلاح.
|