التاريخ : الاثنين 08 augu 2011 01:22:58 مساءً
زرت سوريا مرة وحيدة عام 2008 بدعوة من رئاسة مجلس الوزراء السوري، ضمن وفد ضم 370 صحفيا وإعلاميا من جميع أنحاء العالم، لحضور فعاليات مهرجان طريق الحرير، الذي يتخذ تقليدا رائعا في اصطحاب الوفود الإعلامية إلى أغلبية المدن السورية، سالكين الطريق التاريخي لقوافل تجّار الحرير التي كانت تتخذ من سوريا محطة التقاء ومفترق طرق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وذلك منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وهو تاريخ نشوء طريق الحرير الذي دام استخدامه حتى القرن الثامن الميلادي.
يقدم مهرجان طريق الحرير السنوي للعالم وجه سوريا الحضاري وعبقريتها التاريخية من خلال استفزاز هذا الجمع الإعلامي الكبير بطبيعة هذا البلد الساحر، دمشق في المساء كانت تحكي قصة بنت جميلة، تتراقص كالفراشة على مسرح قلعة دمشق، خطفت بأدائها الرائع الأنظار والقلوب فجعلتنا نستحضر أسطورة الشام العريق، وفي حلب الشهباء غسلنا المطر فاتجهنا إلى تدمر، مفتاح الجهات الأربع لقوافل تجار الحرير حول العالم، مرورا ببحيرة الأسد وقلعة جعبر، وخان دنون، صعودا إلى صلنفة وهناك عانقنا السحاب قولاً وفعلاً، احتمينا في حماة، ورسوُنا في اللاذقية فسلمنا لها قلوبنا طوعاً، عشرة أيام قضيتها في هذا البلد الرائع كتبت عنها "عشرة أيام في الجنة"، وأعلنت بعدها عشقي لسوريا الجميلة.
اليوم قلبي يدمي وأنا أشاهد الدبابات تسلك نفس طريق الحرير، مخلفة وراءها مشاهد بشعة من القتل والتنكيل بالأبرياء من الشعب السوري الأعزل، لا لشيء سوى لأنهم طلبوا الحرية بطريقة سلمية، ولأنهم جزء من الجسم العربي الذي يثور اليوم لينتزع حريته المسلوبة منذ عقود طويلة.
قادني اهتمامي بأحداث الثورة السورية منذ انطلاقتها إلى أن أتعرّف على أسرة سورية، وبشيفرة عرفوني عليها كنت أتابع مالا ترصده كاميرات الفضائيات ولا الهواتف المحمولة، حيث تلعب الأخيرة دور البطولة في الثورة السورية، بعدما انفرد النظام بشعبه ومنع أي وسيلة إعلامية من دخول سوريا، رب الأسرة يحكي لي حكايات لو وثّقت في ملف محاكمة بشار الأسد ورموز حزب البعث لضمن الشعب السوري الإعدام شنقا لهؤلاء جميعاً.
على أرض الواقع لا يوجد أي أثر للعصابات المسلحة التي يحاول النظام السوري إيهام العالم بها ليواري سوءاته، والحقيقة أن النظام هو من يقوم بتسليم الأسلحة للشبّيحة لينقل التلفزيون السوري حصرياً لقطات سريعة لمن يدعي أنهم أعداء الوطن، وهذه التمثيلية باتت مفضوحة للقاصي والداني، وعلى أرض الواقع كل السوريين يؤمنون بهذه الحقائق ولكن لا حول لهم ولا قوة، وعلى أرض الواقع أيضاً الجيش السوري هو من يوجه فوهة دباباته وأسلحته الثقيلة صوب صدور الشعب السوري الأعزل، ومسرح العمليات في كل مدينة يقتحمها الجيش متشابه، فبعدما تقوم الدبابات والمدرعات والصواريخ بدك بيوت الأهالي العزّل خدمة للنظام وللرئيس بشار الأسد فترعب من ينجو من القتل، لأنه سيلقى مصيرا أسوأ بكثير، فبعد الدبابات يأتي دور رجال المخابرات والشبّيحة وبعض عناصر من حزب الله "والعهدة على الراوي" ، يقتحمون جميع البيوت ويقومون باعتقال جميع الرجال والشباب من عمر 10 سنين إلى 50 سنة، من يثبت تورطه في المظاهرات المنادية بإسقاط النظام يذهب إلى مصير مشؤوم، الموت أرحم منه بكثير، أما من تثبت براءته فعليه أن "يدفع" مقابل إطلاق سراحه، بعضهم يدفع لينجو بحياته، وكثيرون لا يملكون فيعاملون معاملة الخونة من وجهة نظر النظام.
وبالإضافة إلى الألفين شهيد، هناك أكثر من عشرة آلاف مواطن سوري في عداد المفقودين، وهم في الحقيقة تحت قبضة النظام السوري، هؤلاء يتم التنكيل بهم، وهناك صور من الجبهة تحكي أن مواطناً ضُبط في مظاهرة لن أسمي مكانها (حفاظاً على رب الأسرة الذي أتواصل معه) قام رجال النظام بإدخال "قضيب" حديد في دبره وقاموا بتوصيل التيار الكهربائي به، يا لحقارة من أمر ومن نفذ هذا الجرم الإنساني البشع، مواطن آخر تم ضبطه في مظاهرة فقاموا بإدخاله حياً في ثلاجة الموتى، وهناك كثر لاقوا حتفهم "هرساً" وهم أحياء في " قادوس" طحن القمح في حماة.
لقد بلغ السيل الزبى، وفاض الكيل بنظام يقتل شعبه بدم بارد على مرأى ومسمع من العالم أجمع، لمجرد أنه طالب بالعيش الكريم، وإن كان هناك ما يبرر صمت المجتمع الدولي عن جرائم النظام السوري لحسابات إقليمية، بلا شك تدار لحساب أميركا وإسرائيل وتلعب فيها إيران دورا محوريا، لكن الأسى والأسف على جامعتنا العربية، وعلى أمينها الجديد الذي خرج من رحم الثورة المصرية وكدنا نتفاءل به عبثا، الذي صمت دهراً ونطق كفراً ببيان هزيل لا يرقى لفض اشتباك بين أطفال في الحارة.
ما يجعلني أثق أن النظام السوري يلفظ أنفاسه الأخيرة برغم سيطرته بالحديد والدم، ليس الضغط الأممي الهزيل، ولا حماسة تركيا، ولا موقف مجلس التعاون الخليجي الذي جاء من باب إبراء الذمة، ولا صحوة السعودية المتأخرة باستدعاء سفيرها في دمشق للتشاور وإعلان رفضها لما يحدث في سوريا، ولكن ما يجعلني أثق أن عرين الأسد بات هشاً وأشبه بعش العصافير هو الغضب العربي العارم من بطش هذا النظام، والحشد المبهر للثورة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، وإصرار الشعب السوري على مواصلة المشوار مهما بلغ الثمن، فقد يتصور النظام السوري بغباء أن المزيد من القتل سيرعب البقية من الشعب السوري الأعزل المسالم، لكنه لا يدري أن دماء الشهداء هي وقود تلك الثورة التي تلتهب مع كل نقطة دم ترتطم بالأرض لتزلزل أركان هذا النظام الظالم المستبد القاتل، والشعب السوري يعلنها كل يوم وليلة مدوية..لا تراجع عن إسقاط النظام..
|