التاريخ : الأحد 08 may 2011 06:59:46 مساءً
أى عبثٍ هذا الذى يستبيح الانقضاض على الدولة المدنية الآن وتوجيه الضربات العنيفة إليها فى كل اتجاه؟! حتى المدافعون عنها يسقطون فى براثن المتربصين بها عندما يُسلمون أنفسهم لهذا الغضب الجامح الذى ينتهى إلى الكفر بالدولة المدنية وطلب الحماية الأجنبية!!
لا أجد أى مُبرر يمكن قبوله لتبرير الاعتداء على كنيسة "مارمينا" وحرقها فى إمبابة بعد أن نصبَّ السلفيون من أنفسهم حكمًا وجلادًا على كل مظاهر الحياة حيث يؤكدون -المرة تلو الأخري- المنطق الضيق الذى يتم فرضه بالقوة الغاشمة دون مُراجعة أو تدقيق طالما أن هناك ثقاة داخل هذا الفريق يستفتون وكأنهم لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم أو من خلفهم.. أى ظلمة للعقل تلك التى تُفرض على الحياة الآن باسم "الدين"؟ هناك طاقة سلبية كارهة للحياة يتم توجيهها وإطلاق سراحها فى وجه الاستقرار واستعادة ركائز الدولة المدنية التى يحتشد أعداؤها الآن من كل حدب وصوب!!
لا أعرف ما هو الدافع الذى يُبرر كلما ترددت شائعة عن دخول مسيحية الإسلام أن يهب السلفيون إلى العنف وحرق الكنائس دفاعًا عنها، هل هذا هو رد الفعل الشرعي، على فرض أن هناك احتجازًا لها داخل كنيسة أو دير أو غير ذلك؟ وهل العكس لو أنه حدث سيُقبل رد الفعل نفسه من الآخر؟!
هناك اجتراء على الحالة المدنية التى تعيشها مصر بعد ثورة 25 يناير فثمة من يرى أن المرحلة الانتقالية فرصة لفرض "وصاية" جديدة على الأرض تنوب عن سلطة الحكم الجائر التى تمت الإطاحة به، منطقها الوحيد المعتمد: "ما تفرضه بقوة ساعدك ماضٍ على غيرك طالما عجز عن ردك".. وهذا هو منتهى العبث، فالمنطق السابق ليس سوى منطق شريعة الغاب أيًا كانت، المسوح التى يتخفى وراءها أصحابه.. ولا أستطيع أن أفترض أى حُسن نوايا من جانب السلفيين فى ردود أفعالهم الأخيرة، فالذين رفضوا فى وقت سابق الخروج على الحاكم الظالم خوفًا من بطشه عندما كان يجدر بهم فعل ذلك، هم الآن يستبيحون الخروج على القانون والأعراف دون رادع، هذا لا يمكن تفسيره إلا فى ضوء الاستهانة والاستخفاف بسلطة الدولة المدنية الحالية.. وهو أمر غير مقبول ولا يمكن التغاضى عنه مع استمرار السلوك الغاشم نفسه.
ينبغى أن يُجرَّم هذا الاجتراء على سلطة الدولة والعبث باستقرارها، وإذا كان منطق القوة هو الغالب.. فلتكن الدولة هى أول من يُباشره فى مواجهة العاصفين بالمصالح العليا للوطن، فهى أولى وأحق باتباعه.. وأعتقد أن تكرار نمط الفعل من جانب هذه القوى والإصرار عليه يفرض على الدولة المدنية أن تُظهر أنيابها لكل من يجترئ عليها وينتدب لنفسه أيًا من سلطاتها حتى لا نُفاجأ كما حدث من جانب بعض الأقباط بمن يطلب الحماية الأجنبية من قوى خارجية والتجمهر أمام مقر السفارة الأمريكية بالقاهرة من أجل ذلك.. فهو شذوذ آخر مرفوض لا يُبرره التهديد بالمُتكرر لحقوقهم طالما أن الدولة المدنية قادرة على حمل مسئولياتها.
هناك حالة سلبية مُتزايدة لدى القوى الراديكالية التى تنسب نفسها إلى الإسلام فى الإسراع قبل غيرها لاقتطاف ثمار ثورة 25 يناير سواء كان ذلك بالتحايل على الدولة المدنية أو بالاجتراء والخروج عليها.. ولهذا ربما يجدر أن يعرف هؤلاء وأؤلئك أن ثمار هذا الطريق لا يمكن اختطافها أو الاستحواذ عليها.. وأنه لا يوجد فى نهاية هذا الطريق إلا الدولة المدنية ذاتها التى يتطلب صيانة وجودها أن يكون الحفاظ عليها أحد المبادئ العليا للدستور القادم، وأن يُصدر المجلس العسكرى مرسومًا بقانون يُقرر ذلك كما دعا الدكتور محمد البرادعي.. لأنه حان الوقت لأن يكون للدولة المدنية بعد ثورة 25 يناير أنياب حقيقية ترد المُتربصين.
|