التاريخ : الاثنين 08 augu 2011 01:25:40 مساءً
قد يكون لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف مخاوف من أن يؤدى استمرار فتح وإتاحة ميدان التحرير أمام المُعتصمين والمتظاهرين إلى سلبيات ما، من عيّنة تعطيل عجلة الإنتاج وتوليد محطات للتشاحن السياسي ومقار دائمة للمُصادمات بين الخصوم فى الأفكار والمبادئ، وهو ما دفعهما إلى إغلاق الميدان ومُحاصرته بقوات من الشرطة العسكرية "ذراع المجلس" ، والأمن المركزى "ذراع الحكومة"، لمنع احتلال الميدان مرة أخرى من جانب أى غضب عشوائى أو اعتصام يطول وما يستتبع ذلك من ضغوط على طرفى السلطة الانتقاليين.
وليس السؤال المهم هو مدى نجاح وقدرة تلك القوات على إغلاق ميدان التحرير؟َ، ولكن الأهم هل ستتم ترجمة ذلك على أنه انحياز آخر لصالح قوى الإسلام السياسي التى نالت فرصتها للاستعراض وإيصال رسائلها كاملة؟ بداية من إبلاغ الرئيس الأمريكى باراك أوباما بأنه وإن كان أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة قد قتل، فإن بمصر ملايين مثله بهتاف من عيّنة "يا أوباما يا أوباما .. كلنا هنا أسامة".. ومرورًا برسالة حتمية تطبيق الشريعة الإسلامية بشعارات مثل "الشعب يريد تطبيق الشريعة".. ونهاية بتأكيدهم أنهم امتداد لتيار أصولى سلفى لا يعترف بقوميات ولا ثقافات ولا رموز بدليل رفعهم راية "دولة العراق الإسلامية".. التى هى فى الأساس النسخة السوداء من راية "مملكة آل سعود" والتى يرفعها كل أتباع السلفية الجهادية من الشيشان إلى أفغانستان والعراق وحتى أحراش الجزائر وصحراء مالى.
فإغلاق الميدان جاء قبل دعوة القوى الليبرالية لمليونية "حب مصر" والتى لجأت هى الأخرى إلى استخدام سلاح الدين من خلال الاستناد إلى القوى الصوفية، لنصرة الدولة المدنية، فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وفروعها التى استخدمت هى الأخرى القوى السلفية لحشد التأييد لدولة دينية، قبل أن تُدرك أنها وإن كانت قد تحالفت معهم فى خوض "غزوة الصناديق"، فإن التيار السلفى قد كبر وتوحّش وأصبح مقتنعًا وواثقًا من قدرته على التهام "الجماعة" والتخين فى هذا البلد، بملايين الجلاليب البيضاء والنقاب الأسود، لذلك كانوا هم الأعلى صوتًا فى الميدان بجمعة "تمزيق الشمل"، وإحباط الثورة.
وإذا كانت هناك مخاوف لدى الجيش والحكومة من مليونية تحالف قوى الدولة المدنية والصوفيين مصدرها هو عدم ترسيخ مبدأ الانقسام باستدعاء آليات غير سياسية، فإنهما مُطالبان بالجهر بهذه المخاوف، وتحذير من سبقوا وبادروا بالحشد خارج نظاق السياسة، برسائل واضحة لا تحتمل اللبس، والتشديد على سلطتهما فى إدارة المرحلة الانتقالية، وفقًا لما تتوافق عليه القوى السياسية، بدلاً من كبت التيار المقابل وإغلاق الميدان فى وجهه، لأن الدرس الذى يتعلمه أيًا من يحكم مصر بعد ثورة 25 يناير، أن المنع والإغلاق والحظر لا يمنع غضب ولا يحجر على رسالة ولا يوقف تغيير منشود، ولأن ميادين القاهرة مُتلهفة لصياغة مرحلة تاريخية جديدة، ولعب دور فى مستقبل البلاد، وإذا كان التحرير قد أغلق مؤقتًا أو دائمًا فإن ميدان عابدين وغيره مُستعدون لاستيعاب الملايين.
ليس بالمنع والإغلاق يحرم الملايين من إبلاغ رسالة يريدون إيصالها.. ولكن يمكن التبكير بالإنصات إلى جوهرها، والتعبير عن هذا الإنصات بتصريحات وإجراءات تضمن للجميع -فى هذا الوطن- حقوقًا مُتساوية فى دولة مدنية يُصاغ دستورها عبر لجنة تضم كل فئات الشعب، وعدم الانصياع فقط لرغبة ملايين على حساب ملايين أخرى.. فما أكثر من الملايين فى المحروسة..
اللهم احفظ مصر
|