التاريخ : الثلاثاء 09 augu 2011 01:19:06 مساءً
كنت وسأظل من دعاة الاستقرار والدفاع عن حق الوطن في النهوض الاقتصادي لإنني لا أقبل أن أرهن المستقبل لحساب الماضي دون أن ينقص ذلك من الحاجة إلي إعداد بنية سياسية أساسية صالحة لتشييد المستقبل مثقال ذرة!
ومع ذلك فأنا أؤيد الخروج في جمعة «حب مصر» رغم ما يسوقه البعض من آراء وجيهة تعلي من قيم الدفاع عن الاستقرار وإعطاء الفرصة لالتقاط الأنفاس، وتفادي الصدام مع المجلس العسكري الذي يرفض التظاهر في ميدان التحرير.. ولدي في ذلك خمسة أسباب اعتقد في وجهاتها لتبرير هذا الاختيار، حتي ولو تم التراجع عن تنظيم المليونية.
خلاف ما قال لي أحد الاصدقاء ما الداعي إلي مليونية الجمعة المقبلة؟ وإذا كان فصيل سياسي قد أخطأ في جمعة «تمزيق الشمل» فما الحاجة إلي تكرار الخطأ والسعي إلي استعراض قوة مضادة؟ اعتقد _ راسخ الاعتقاد _ ان هذا فرض عين علي كل من يحب هذا الوطن ويخلص صادقًا لقيم الحرية والعدالة والكرامة، ولم اري انه يعوزني أسباب كثيرة لتبرير ذلك فلدي 5 أسباب اعتقد أنها كا فية لفهم دواعي الخروج في هذا اليوم.. لأنها تفوق في وجهة نظري منطق استعراض القوة.
السبب الأول: ان الثورة في هذه اللحظة الفارقة في حاجة إلي تصحيح المسار الذي آلت إليه منذ شهرين تقريبًا، وهو المسار الذي انتهي بحالة اشبه بمواجهة الكل للكل داخل الجماعة الوطنية علي اختلاف اطيافها سعيًا وراء جني الثمار والمغانم السياسية للثورة بينما هذه الأخيرة لم تنجز بعد اهدافها، وهو أخطر ما تواجهه اليوم من تحديات تقدم الوطن لقمة سائعة لتيار يرفع شعار «كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كاملة»، وبالمناسبة ليس هذا قول مأثور للرئيس المخلوع أكثر منه حالة علي وشك التفشي لأن وحدة الصف خلف الإصلاح الحقيقي للنظام السياسي قد تبددت، وأصبحت هناك حسابات ومصالح تنحاز بأصحابها بعيدًا عن هذا الهدف لهذا وجب أن تكون هناك وقفة لتصحيح المسار تؤكد أن مصر تستوعب جميع القوي المدافعة عن مصر الحرة التي لا تميز بين جميع أبنائها أيًا كان شكل هذا التمييز وأهدافه.
السبب الثاني: أن مصر في حاجة الآن إلي تحرير الوعي الجمعي الذي مارس النظام السابق كل أشكال العسف والتشويه ضده، وأصابه بما يعرف بـ«التفريغ» و«التسطيح»، التفريغ وتظهر أعراضه في اجهاض النموذج أو النسق القيمي الذي يحدث عليه إجماع وطني مثل «التعايش السلمي» و«حرية الرأي والتنظيم السياسي» و«عدالة الحقوق» أو التوزيع المتكافئ لها وغيرها من القيم المدنية التي تؤسس حال وجودها لوفاق وطني، وتقاليد لا يمكن القفز عليها.. أم التسطيح فهو العرض الذي أصاب العقل أو الوعي الجمعي نتيجة التفريغ السابق فغابت معه جميع المشاريع الوطنية الطامحة إلي النهضة.. الوعي الجمعي المصري في حاجة لأن ترفع عنه الوصاية الآن من جميع القوي الاستبداية التي تحاول أن تفرض عليه أي خيارات قهرية حتي لو كان ذلك باسم الدين.
السبب الثالث: يتفرع عن سابقه لأن تحرير الوعي الجمعي يقود إلي تأصيل جديد لمفهوم «المواطنة» يقوم علي أساس ان الاجتماع السياسي داخل هذا الوطن هو حالة «شراكة» و«قسمة» متكافئة وليس «مغالبة» يفرضها الأقوي أيًا من كان سلفي أو ليبرالي.. لأن منطق المغالبة هو القهر علي اختلاف أشكاله، أما منطق الشراكة فهو الرضا والنزول علي رأي الأغلبية الذي لا ينبغي أن يمس أيًا من الحقوق الانسانية الأساسية التي منحها الله سبحانه وتعالي للإنسان منذ أن خلقه، وكان قادرًا «سبحانه» أن يقيدها لو قدر ذلك، ولكن خلق الله الإنسان مسئولاً يتحمل الأمانة التي اشفقن منها السموات والأرض.. ومع ذلك هناك من يأبي ذلك ويرغب في فرض منطق «المغالبة» باسم الله والدين.
السبب الرابع: إعلاء القيمة الأسمي التي طالما اقتنعت بها ودافعت عنها وهي «حرية الاختلاف»، هذه القيمة التي حررت شعوبًا عديدة قبلنا من حروب أهلية وصراعات كادت أن تفتك بأمم عديدة عندما استبد بجماعات فيها حب السلطة والنفوذ فلجأت إلي تبريرها بالافتئات علي حقوق غيرها حتي وصل بها الأمر إلي الخلاص منها والتنكيل بها ولأن هذه الحالة تنفي «السلم الأهلي» وتقود إلي حرب الكل للكل، فلابد من التحلي بروح التسامح وقبول حرية الاختلاف لأن هذه الحرية هي الضمانة الأساسية لعدم جنوح السلطة والاستبداد سواءًا مارسته الأقلية أو الأكثرية في النظم الديمقراطية.
السبب الخامس والأخير: فهو إعلاء مصر فوق الجميع، فعندما تتحقق هذه القيمة المثلي تكون مقدرات الوطن خطًا أحمر لا ينبغي العبث به، وطالما كانت مصر فوق الجميع فإن السلم الأهلي وغيره من ثوابت الدولة المصرية التي نطالب بأن تكون مبادئ فوق دستورية لا يجوز الإنقلاب عليها سوف تكون خطًا أحمر يحظر المساس به والإجتراء عليه.. لهذا سأخرج دفاعًا عن مصر التي وصفتها وأدعو جميع القوي الوطنية إلي الخروج يوم الجمعة المقبل في حب مصر.. وإذا ما تم التراجع لإبعاد فتنة شق الصف الوطني كما تسعي الحكومة. فيقينًا ستبقي الأسباب.. وسيبقي الخروج رمزًا لاستعادة روح الثورة.
|