التاريخ : السبت 20 augu 2011 04:49:08 مساءً
يعرف العاملون في صناعة الميديا والإعلام أن إزدهار تلك الصناعة يرتبط مع تحقيق الاقتصاد العام للدولة نموا ملحوظا..فهناك علاقة طردية بين الاقتصاد والإعلام.
فكلما نما الإقتصاد انعكس ذلك علي وسائل الإعلام من صحف وفضائيات ومطبوعات..حيث يشكل الإعلان المورد الرئيسي لوسائل الإعلام وبدونه تتوقف عجلات الميديا الإعلامية عن الدوران.
المقدمة السابقة وإن طالت لكنها مهمة في بحث الحالة الإعلامية المصرية الآن-تحديدا بعد ثورة يناير- وكلنا نعرف أن إقتصادنا ليس في أحسن حالاته وفق تصريحات رسمية لوزراء حكومة شرف وكذلك وفق تقارير دولية ومحلية حيث يعاني الاقتصاد المصري صعوبات جمة كانت دلائلها كالآتي:
1-تراجع كبير في الإحتياطي النقدي من العملة الأجنبية والذي تراجع من 34مليار دولار الي 25مليار دولار وفق أحدث بيان صادر منذ أيام عن البنك المركزي.
2-تباطؤ تام في عجلة الإنتاج وتشير تقديرات الي أن الاقتصاد المصري سوف يحقق نموا هذا العام بنسب تتراوح بين 1.5 الي 2 ٪ ويقل بذلك عن سنوات سابقة حقق اقتصادنا خلالها معدل نمو زاد عن 7٪.
3- سوف تؤثر الأزمة الأمريكية الأخيرة سلبا علي الإقتصاد المصري فالمعروف أن نصف احتياطياتنا النقدية من العملات الأجنبية يجري استثماره عبر شراء سندات الخزانة الأمريكية..ويتوقع أن يقل عائد تلك السندات..كما أن الحركة التجارية بين دول العالم (تحديدا بين أوروبا والصين من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخري) سوف تشهد تراجعا ملحوظا مما سيؤثر علي ايرادات قناة السويس.
4- استقرار حالة الاقتصاد المصري مرهونة ببداية رسم ملامح الدولة المصرية الجديدة بعد الثورة وهو ما سوف يستغرق سنوات يقدرها البعض من ثلاث الي خمس سنوات.
5- المعروف أيضا أن المنطقة العربية بأسرها تمر بمرحلة تشهد ثورات شعبية تكاد تعصف بمعظم البلدان الرئيسية بالمنطقة وعند تلك اللحظة فإن أول الخارجين كما هو متبع سيكون الاستثمار ورءوس الأموال.
ماسبق هو اطلالة سريعة علي المشهدين السياسي والإقتصادي في مصر ولأننا تحدثنا في السطور الأولي عن نمو الإعلام في ظل اقتصاد قوي..فإن السؤال الذي بات يحتاج تفسيرا واضحا وصريحا هو:اذا كان اقتصادنا المحلي بهذه الحالة من الضعف التي يشتكي منها كبار المستثمرين والصناع..فكيف يستقيم ذلك مع هذا الكم الكبير من القنوات الفضائية الجديدة والصحف الحديثة تحت الإصدار..ثم من أين جاء تمويل تلك الفضائيات ومن هو هذا المستثمر المغامر الذي يرمي بفلوسه هكذا في صناعة لن تزدهر سوي داخل اقتصاد قوي بينما حالنا الاقتصادي ليس جيدا كما أوضحنا..هل بيننا مغامرون لايحزنون إذا خسروا أموالهم..ثم كيف سيستعيد هؤلاء المستثمرون أموالهم ثانية والاعلام-كما نعرف- صناعة باهظة الإنفاق ولاتحقق عائدا سوي بعد سنوات طويلة وبعد تحقيق خسائر ضخمة كما أن هذا العائد لن يأتي إلا عبر الإعلانات..وقد حكي لي أكثر من مدير وكالة إعلانية مصرية كبيرة كيف أن السوق الاعلاني بات يشهد تراجعا حادا منذ فبراير الماضي بسبب توقف عجلة الانتاج.
رغم كل الأخبار السلبية والأرقام السابقة فإن هناك تدافعا غير عادي لإطلاق مزيد من القنوات الفضائية بعد فضائيات التحرير وسي بي سي والنهار (ظهروا بعد الثورة) فقد علمت أن هناك تحت الانطلاق 16قناة فضائية جديدة.
لانعترض هنا علي إطلاق تلك القنوات بهذا الكم الكبير رغم الظروف الاقتصادية الصعبة..فربما جاء ذلك عقب ثورة كبيرة رفعت سقف الحرية كأحد أهم مطالبها..وربما جاءت تلك القنوات بعد تضييق النظام السابق والعوائق الأمنية التي حالت دون ظهور فضائيات بعينها..ما يجري إذن هو نتاج طبيعي لمصر بعد الثورة لكن هذا لايعني ترك الأمور علي علاتها ولابد من اجابة علي تساؤلات كثيرة في هذا الشأن منها مثلا:
1-من أين يأتي تمويل كل تلك الفضائيات ولماذا لاتعلن كل فضائية قبل أن تبدأ عن أسماء وأنصبة المساهمين في انشائها (حملة الأسهم) ونشر ذلك عبر الصحف وعبر الفضائية نفسها في أول أيام بثها.
2-من المؤكد أن أصحاب رءوس أموال تلك الفضائيات -مثل أي مستثمرين- يبحثون عن الأرباح..والسؤال هو:كيف سيتحقق ذلك في ظل ظروف اقتصادية صعبة ألقت بظلالها السلبية علي سوق الإعلانات.. إلا اذا كانت تلك ليست أموالهم أو أنهم يمتلكونها فعلا لكن الخسارة والربح ليس هدفا لهم..إذن ماهو الهدف؟.
3-في ظل حالة السيولة العامة التي تشهدها مصر حاليا فإنه يسهل دخول وخروج أموال كثيرة..ربما لاتعرف عنها السلطات المختصة شيئا..لذا فإنه لابد من وضع ضوابط تنظم (ولاتقيد) عمليات اطلاق القنوات الفضائيات وحتي نتحقق كمجتمع من عدم حدوث اختراق خارجي (عربي أو أجنبي) لساحة الإعلام في مصر..فمن يمتلكها حاليا فإنه سوف يسهل عليه تشكيل عقل ووجدان واتجاهات قطاع كبير من المصريين في تلك المرحلة الخطيرة والتي نسميها تدليلا بالمرحلة الانتقالية.
فهل من مستمع ومستجيب.
|