طارق عامر
تصاعدت حالة الترقب داخل الجهاز المصرفى إلى ذروتها فى الساعات الأخيرة السابقة على إعلان التجديد لمحافظ البنك المركزى طارق عامر إلى الدرجة التى احتبست فيها الأنفاس وأصبح كلا الفريقين المؤيد ل"عامر" واستمراره لأربعة سنوات قادمة، والمعارض لبقائه عند النقطة نفسها من عدم اليقين والإلتباس .
بلغت القلوب الحناجر حتى دنت لحظة الحسم ، ووسط هذه الأجواء وقبل هذه اللحظة مباشرة اعتقد معسكر الخصوم لـ"عامر" أن فى مقدوره أن يقوم بالهجمة الخاطفة الساحقة الماحقة القادرة على الإطاحة بمحافظ البنك المركزى من موقعه ، كاشفاً النقاب بعد نحو ٤سنوات من تشكيل مجلس إدارة البنك المركزى بقرار جمهورى فى ٢٠١٥ عن شبهة تعارض مصالح متمثلة فى وجود الخبير الإقتصادى و المالى كمال سمعان بباوى أبو الخير ضمن مجلس إدارة البنك المركزى من بين الأعضاء غير التنفيذيين ، ووجوده فى ذات الوقت كمساهم رئيسى فى شركة مسار للإستثمارات المالية التى تملكها وزيرة الإستثمار السابقة وزوجة محافظ البنك المركزى السيدة دالياً خورشيد ، معتقداً هذا المعسكر أنه سجل هدفاً خاطفاً قادراً على قلب النتائج و متناسياً أن "السكور بورد" لم يكن من الأصل صفراً .
إلقاء القفاز على هذه الشاكلة لم يكن حسماً للمباراة التى استطف الجميع فيها مراقباً حتى الرمق الأخير فى كل جانباً ، بل على العكس كشف لماذا انتهت المباراة إلى تجديد الثقة فى "عامر" واعتماد النتيجة النهائية ٠/٢ ، وإلغاء هدف الفريق المنافس بإعتباره تسللاً واضحاً..كيف حدث هذا ..؟! مراجعة متأنية وعميقة لشبهات تعارض المصالح على غرار تقنية الـ " VAR " فى كرة القدم ، كانت لتكشف حقيقة هذا التسلل الذى تعامل معه البعض كأمر واقع ، ولكن حصافة و خبرة صانع القرار لم يعوزها الكثير من الإنتظار لحسم النتيجة وتجديد الثقة فى "عامر" ..وحتى يكون الجمهور على إلمام كامل بإلغاء الهدف واحتسابه تسللاً ينبغى الإنتباه لأربعة حقائق.
الأولى أن إختيار العضو كمال سمعان ابو الخير لعضوية مجلس إدارة البنك المركزى جاء فى نفس الوقت الذى تم إختيار "عامر" فيه لمهام منصبه وفى ذات القرار الجمهورى ولم يكن تالياً عليه ، وبالتالى من غير الجائز أن يكون "عامر" قد فرضه وهو من خارج الإدارة التنفيذية.
الحقيقة الثانية : هى أن القرارات الجمهورية تصدر بإرادة مستقلة للرئاسة ولا يملك أحد فرض أى أسماء عليها وهذا معلوم للكافة ، وأى ترشيح يقدم إلى رئيس الجمهورية يخضع لتقصى الجهات الرقابية قبل اتخاذ القرار النهائى ، وتكون التزكية من قبل هذه الجهات بمثابة شهادة خلو من تعارض المصالح .
الحقيقة الثالثة : أن السيدة داليا خورشيد لم تكن قد أسست بعد شركة مسار للإستثمارات المالية، ولم تكن قد تزوجت ايضاً من محافظ البنك المركزى، أو شغلت أى منصب رسمى فى توقيت تعيين العضو المذكور ، وهذا أمر بالغ الأهمية لأنه ينسف من الأصل شبهة تعارض المصالح.
الحقيقة الرابعة : أن العضو كمال سمعان ابو الخير هو بالفعل من أصحاب الخبرة المشهود لهم بالكفاءة وعلى من يشكك فى ذلك مراجعة سيرته الذاتية ليكتشف انه المدير العام السابق لبنك الإستثمار العالمي jb مورجان ، ورئيس مجلس الإدارة السابق للبنك الإسلامى فى بريطانيا .
هذه الحقائق الدامغة هى ما قطعت بوجود التسلل ..أما احتساب النتيجة ٠/٢ ، فلأن "عامر" بشجاعة منقطعة النظير وضعت تاريخه كاملاً على المحك هو صاحب الهدف الأول بتحرير سعر الصرف ، أما الهدف الثانى الذى تم احرازه ، فهو هدف التشريع الجديد للجهاز المصرفى والبنك المركزى الذى تتصدر أولوياته التصدى لتعارض المصالح الذى كشف "عامر" النقاب عنه قبل عدة أسابيع.. وفى تقديرى ان الرابح الحقيقى من هذه النتيجة هى مصر التى تستعد لدخول مرحلة حاسمة من تاريخها. ..مرحباً ل"عامر " محافظاً للبنك المركزى فى ولاية ثانية حاسمة..