سوق العمل في كوريا الجنوبية
ارتفع معدل البطالة في كوريا الجنوبية من 3.8 % ليصل إلى 4.5 % في شهر مايو الماضي، لكن معدل التوظيف كذلك شهد زيادة على أساس شهري، وإذا كان مثل هذا الأمر ممكناً، فيمكن اعتبار هذا الصعود في معدل البطالة "ارتفاع جيد"، وفقاً لرؤية تحليلية نشرها البنك الهولندي "آي.إن.جي" للرئيس الإقليمي للبحوث وآسيا والمحيط الهادئ "روبرت كارنيل"، وصعد معدل البطالة في كوريا الجنوبية إلى 4.5 % بنهاية شهر مايو الماضي، ليكون عند أعلى مستوياته في 10 سنوات.
متى تكون البيانات الضعيفة جيدة بالفعل؟
يعتبر معدل البطالة واحداً من الأرقام الأكثر غرابة في الاقتصاد، و يرجع أحد الأسباب في ذلك إلى أنه يتم احتسابه عبر اثنين من البيانات التي قد لا تكون ذات صلة، حيث يتم احتساب معدل البطالة من خلال عدد العاطلين عن العمل مقسوماً على القوى العاملة (الأفراد الناشطون اقتصادياً من السكان بما في ذلك العاطلين عن العمل لكنهم جاهزون وقادرون ويبحثون عن عمل)، كما يتم التعبير عنه كنسبة مئوية، وتتسم أعداد العاطلين عن العمل بالبساطة بما فيه الكفاية، على الرغم من أنه من الجدير بالذكر أن التغيرات في عدد العاطلين عن العمل ليس هي نفس التغيرات السالبة في أعداد العاملين (رغم أنها قد تكون كذلك مجدداً بشكل مربك).
وعلى النقيض، تُعد القوى العاملة حالة معقدة ويمكن أن تتأرجح في جميع الأنحاء كما يمكن أن ترتفع وتتراجع في الأوقات الجيدة والسيئة على حد سواء، وفي الأوقات الجيدة، يمكن لمزيد من الناس دخول سوق العمل إذا زادت احتمالات العمل والعائد نتيجة لذلك، ولكن على نحو مماثل، قد يكون هذا الصعود بسبب المصاعب كذلك، حيث يضطر الناس للبحث عن عمل من أجل تغطية نفقاتهم، وبشكل متساوٍ، يمكن أن تدفع الأوقات السيئة الناس للخروج من سوق العمل؛ نظراً لأنهم يتخلون عن البحث عن عمل بعدما يشعرون باليأس بشأن الحصول على فرص أو العائد من العمل، وربما يتخارجون من سوق العمل مجدداً في الأوقات الجيدة، بسبب أن أرباح الأسرة قد تكون كافية مع وجود شخص عامل واحد في العائلة.
ليثار تساؤل ، ما الذي يحدث في كوريا الجنوبية الآن؟، من المعتاد النظر إلى الأرقام في آسيا على أساس المقارنة بشكل سنوي، لكن نظراً لتأثير وباء كورونا يجب علينا حقاً النظر في أرقام التوظيف من حيث الأعداد (المستويات) الفعلية ورؤية مقدار التحرك نسبة إلى الشهور الأخيرة، ومن خلال القيام بذلك، نرى أن إجمالي عدد العاملين في كوريا الجنوبية ارتفع من 26.562 مليون شخص في أبريل الماضي إلى 26.930 مليون نسمة (بزيادة 368 ألف)، وتضمنت القطاعات التي شهدت تعافياً قوياً الخدمات للشركات والأفراد والبناء.
والآن، فمن المؤكد أن جميع مستويات التوظيف هذه تقل عند المقارنة مع الفترة المماثلة قبل عام مضى، لكن الأمر سوف يستغرق وقتاً أطول قليلاً من أجل استعادة مستويات التوظيف قبل وباء "كوفيد-19"، لذا دعونا ننظر في ذلك بشكل واقعي.
ومع ذلك، فإن شهر آخر يشهد أرقام مماثلة لشهر مايو قد يجعلنا قاب قوسين أو أدنى من مستويات التوظيف في فترة ما قبل وباء "كوفيد-19"، ورغم أنه من الناحية الواقعية كذلك ربما يحتوي شهر مايوعلى الجزء الأكبر من المكاسب السهلة في الوظائف، حيث عاد الاقتصاد إلى المسار الطبيعي بعد أن نجح في كبح تأثيرات تفشي وباء كورونا في شهري مارس وأبريل، ورغم ارتفاع معدل التوظيف في مايو الماضي، لا يزال هناك تزايد في أعداد العاطلين عن العمل.
وبما أن العمالة والبطالة عبارة عن اتجاهين مختلفين، وليسا وجهان لعملة واحدة، فبالإضافة إلى ارتفاع معدل التوظيف بنهاية مايو شهدنا زيادة عدد العاطلين عن العمل بنحو 106 آلاف فرد، وشهد كذلك عدد السكان الناشطين اقتصادياً (القوى العاملة) ارتفاعاً، وكما ذكرنا سابقاً، فإن هذه لا تُعد دائماً إشارة سلبية، لكن الزيادة البالغة 405 آلاف شخص (من 27.734 مليون فرد إلى 28.209 مليون) كانت أقل كنسبة مئوية من الزيادة المئوية في عدد العاطلين عن العمل.
وفي لغة الرياضيات البسيطة، ارتفع المقام بشكل أقل نسبياً من البسط، وهذا هو سبب ارتفاع معدل البطالة.
باختصار، يمكنك توضيح هذا الأمر على أنه نتيجة غير بديهية والمتمثلة في "ارتفاع جيد في معدل البطالة"، ولا يوجد شيء هنا بالنسبة لبنك كوريا أو الحكومة الكورية للتعامل معه أو القيام برد فعل تجاهه عبر قرارات السياسة الاقتصادية، وتشير البيانات الأخيرة إلى أن التعافي بدأ حالياً في كوريا الجنوبية، لكن رغم أنه قد لا يكون سريعاً إلا أن الاتجاه مقبولاً.