صورة أرشيفيه
إذا حكمنا من خلال أداء الأسواق الناشئة، فمن الصعب أن تعرف أن العالم يعاني من وباء قاتل،وبحسب معهد التمويل الدولي، فإنه بعد التخارج القياسي في مارس زادت تدفقات المحافظ الأجنبية إلى الأسواق الناشئة عشرة أمثال إلى 32.9 مليار دولار في يونيو.
كما بلغ مؤشر "إم.إس.سي.آي" لعملات الأسواق الناشئة أعلى مستوى في شهر يوم الخميس الماضي، حتى العملات الضعيفة مثل الراند الجنوب أفريقي تشهد قليلاً من الارتفاع، ويقول "ميهير شارما" في رؤية تحليلية عبر موقع "بلومبرج أوبينيون" إن هذا لا يعني أن الأمور تسير على ما يرام في الدول النامية نفسها حيث أن العديد منها يواجه تعافيا أطول وأكثر إزعاجًا مما كان متوقعًا في عمق ذعر السوق في مارس.
ولا يُتوقع تعافي الأرباح في أي وقت قريب، وعلى سبيل المثال في الهند سجل معدل السعر إلى الأرباح الآجلة لمدة عام للأسهم في مؤشر "نيفتي 50" أعلى مستوى منذ عقد،ووراء هذا الانفصال بين الأسواق والاقتصاد الحقيقي يبرز الجاني المألوف: البنوك المركزية في العالم المتقدم.
وكما فعلت بعد الأزمة المالية لعام 2008، ضخ الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وبنك اليابان كميات هائلة من السيولة في أسواقهم المحلية حتى ارتفعت هذه الأسواق على النحو المنشود، وتراكم المستثمرون المحليون الذين أصيبوا بالرعب من احتمالية فقدان فرصة الاستفادة من الصعود، وهذا بدوره أجبر المستثمرين المؤسسيين على البحث عن العائد في الأسواق الناشئة، وإذا كانت العملية بأكملها منفصلة عن الواقع، فهذا أمر كان مخطط له، حيث أن الغرض الأساسي من السياسة النقدية غير التقليدية هو فرض اللاعقلانية على الأسواق.
لكن المطلعين على السوق يعتبرون هذا الانفصال أمرا مفروغا منه، كما قال "أجاي كومار" المحلل في "بنك أوف أمريكا": "المعنويات والسيولة تمثلان الجزء الأكبر من العوائد في الأسواق المتقدمة في أوقات كهذه"، لكن في بقية العالم لا يمكن قول نفس الأمر وهم محقون في عدم القيام بذلك، لأنه في المرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك في الأزمة المالية أصيبت الأسواق الناشئة بأضرار بالغة بسبب السياسة النقدية للدول المتقدمة.
نعم، قام بنك الاحتياطي الفدرالي وآخرون بعمل جيد لعكس التدفقات شبه الكارثية لرؤوس الأموال من الأسواق الناشئة التي كانت مرئية في الأسابيع الأولى من الوباء، على الرغم من أن ذلك لم يكن قصدهم، فقد ساعدت إجراءاتهم الأسواق الناشئة على جمع أكثر من 83 مليار دولار في أوائل شهر يونيو في أسواق السندات العالمية.
ولكن كان ينبغي للأسواق الناشئة أن تعلم الآن أن هذه الكأس المسمومة، لأنه على المدى المتوسط والبعيد ستحمل طباعة أموال الغرب العالم النامي عبئاً بالتقلبات وعدم الاستقرار وتباطؤ في النمو والاستثمار، وبالنظر إلى تجربة الهند في السنوات التي أعقبت عام 2008، تمتعت البلاد بارتفاع حاد في السيولة مدفوعًا بالمحفزات، لكن بعد ذلك ارتفعت أسعار السلع ما تسبب في تسارع التضخم واستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي وعدم استقرار التوقعات التضخمية.
وتسبب تضخم أسعار الأصول في حدوث ضرر لا ينتهي في الهند، حيث ارتفعت أسعار العقارات بشكل قوي للغاية لدرجة أن السوق يزال لا يعمل بشكل صحيح، والأسوأ من ذلك كله، أن الأموال الرخيصة أدت إلى الإقراض العشوائي وأزمة القروض السيئة التي أعاقت النمو والاستثمار الهندي، ولم تكن الهند أيضاً تتحكم في مصيرها، وفي نوبة غضب دفعت كلمة من رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق "بن برنانكي" الروبية الهندية إلى الانخفاض إلى مستويات قياسية.
لقد كان لأفعال الاحتياطي الفيدرالي عواقب سياسية أيضًا، حيث أبدى الناخبون غضبهم على الحكومة الحالية البائسة، بطبيعة الحال لن تتكشف هذه العملية بنفس الطريقة مرتين، ولن يكون الدافع أسعار النفط هذه المرة وربما ليست العقارات.
كل ما يمكننا قوله على وجه اليقين هو أن شيئًا من هذا القبيل سيحدث بالفعل مرة أخرى، كل هذه السيولة يجب أن تستقر في مكان ما، وربما ينتهي الأمر بالتدفق إلى أي أصل حقيقي يُنظر إليه على أنه الأكثر ندرة والأكثر ثباتًا في المستقبل، ربما المعادن النادرة في عالمنا الرقمي الجديد؟
وتعتبر حقيقة أن أسعار الأسهم ومؤشرات العملات منفصلة جدًا عن الواقع هي العلامة الأكيدة على أن هذه العملية جارية، هذه هي القنوات الأولى التي من خلالها تبدأ اللامنطقية في إجراءات البنك المركزي في أماكن أخرى في التأثير على الاقتصادات الناشئة.
وشهد مؤشر "إم.إس.سي.أي" للأسواق الناشئة مكاسب كبيرة في الربع الثاني ولكن تذكر أن آخر مرة حدث فيها مثل هذا الربع الجيد كان عام 2009، حتمًا، سيؤدي مزيج السيولة غير المقيدة وعقلية الأزمة إلى إضعاف هياكل الحوكمة الهشة بالفعل في كل من الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي.
وكثيراً ما تم تحذير البنوك المركزية في الغرب من ذلك، حيث أن "راغورام راجان" الذي اضطر بصفته محافظ البنك الاحتياطي الهندي للتعامل مع عواقب السياسة النقدية غير التقليدية، جادل بضرورة ضبط "قواعد اللعبة" للبنوك المركزية حتى لا تزعزع استقرار الأسواق الناشئة.
ويوضح "راجان" نقطة بسيطة: "خلاصة القول هي ببساطة لأن السياسة تسمى نقدية سواء غير تقليدية أو غير ذلك، فإنها لا تكون مفيدة للعالم بأكمله"، في نهاية المطاف، قد يؤدي الفشل في تعلم دروس التحفيز الأخير إلى انهيار الأسواق الناشئة لعقد آخر من النمو دون المستوى وعدم الاستقرار السياسي.