حسن عبدالله محافظ البنك المركزي
• تحليل : محمد بركة
استقبلت الأوساط الإقتصادية فى الداخل والخارج تعيين المصرفى المخضرم حسن عبد الله فى منصب محافظ البنك المركزى المصرى خلفاً لطارق عامر محافظ البنك السابق الذى طلب إعفائه من منصبه بكثير من التطلع إلى تجاوز السياسة النقدية فى مصر صعوبات الوضع الدقيق الذى وصلت إليه كون هذا التغيير تمت قراءته بإعتباره إيذاناً من جانب صانع القرار الإقتصادى بالتحول عن بعض السياسات الاقتصادية والنقدية التى تم تبنيها فى وقت سابق وهو ماستكشف عنه يقيناً التطورات القادمة خلال الأيام وربما الأسابيع القادمة.
وحتى يمكننا الحكم على هذه القراءة لابد أن نفهم طبيعة الظروف التى أحاطت وتحيط بهذا التغيير المنتظر ، ولعله من الإنصاف في البداية أن نشير إلى انه ليس كل تغيير بالضرورة نكوص كامل عن سياسات تم اتخاذها فى السابق ، تحمل مسئوليتها المحافظ السابق بإقتدار عندما كان اتخاذها متوافقاً مع خطط وتوجهات الدولة لإن ذلك بمثابة لزوم ما لا يلزم عند المراجعة والتعديل.
على أنه فى الفترة الأخيرة لا أحد ينكر وجود حالة من عدم الإستقرار فى سوق الصرف يصاحبها بالضرورة حالة من الإحجام عن تدفق الإستثمار الأجنبى المباشر والغير مباشر إلى السوق المحلى.
كما أن هناك حالة من عدم الإنضباط فى هيكل أسعار العائد داخل السوق لها ما يبررها بسبب ضغط الأعراض التضخمية فى السوق العالمى و التى أثرت بصورة سلبية على استقرار المستوى العام للأسعار فى السوق المحلى .
وهناك كذلك حالة من عدم الإنضباط فى الإنفاق العام للحكومة عمقت من أزمة الدين العام بشقيه المحلى والخارجى.
جميع هذه المعطيات الضاغطة لا يتحمل محافظ البنك المركزى السابق أو الحالى المسئولية الكاملة عنها ، ولكن إذا كنا بصدد إصلاح ناجز وحقيقى لابد وأن نقرر أن مهمة محافظ البنك المركزى الجديد تبدأ من التعامل الواعى والفعال معها فى إطار مشاركة غير متخاذلة وحاسمة من السياسات الاقتصادية والمالية معه فى إنجاز الإصلاح المرجو .
ولعل من بين ما يبعث على الثقة فى هذا السياق أن هناك نية لقبول نصائح شخصيات لها وزنها الاكاديمى والدولى مثل الدكتور محمود محى الدين الذى جمعته جلسة خاصة برئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ، ومحافظ البنك المركزى الجديد يوم الخميس الماضي يعتقد فى أنها ربما مست الإطار التصحيحى للسياسات النقدية والمالية في المرحلة المقبلة.
ومما سبق نرى إن حسن عبد الله محافظ "المركزى" الجديد سيكون عليه التصدى ل 5 مهام حاسمة فى الفترة القريبة القادمة.
أولها : الضبط العاجل لسوق الصرف و محاصرة السوق الموازية التى عادت للظهور بنشاط ملحوظ خلال الشهرين الماضيين فى أعقاب إجراءات تنظيم عمليات الإستيراد ، وقد يكون من المقبول كما حدث فى 2003 خلال مشاركة "عبد الله " نفسه باللجنة التى شكلها محافظ البنك المركزى الأسبق الدكتور فاروق العقدة وشاركه عضويتها كل من هشام عز العرب رئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى حينها ، وهشام رامز واستطاعت حينها القضاء قضاءاً مبرماً على السوق الموازية للصرف الأجنبى واستعادة الإستقرار النقدى الذى استمر حتى مشارف عام 2011 ، ولن يعنى ذلك الرضوخ لما يتردد عن طلبات صندوق النقد الدولى لإن العبرة فى تحديد سعر الصرف الحقيقى هو القوى الشرائية للجنيه مقابل العملات الدولية بعد التغييرات التى فرضتها الأوضاع العالمية ، وهو فارق يدفع تكلفته المواطن فى كل الأحوال سواء حافظ الجنيه على سعره الحالى أو تم السماح يتحريكه قليلاً لإن الفيصل فى تحريكه هو عاملين الميزان التجارى وما تعكسه فاتورة الواردات من جهة وما تمثله إلتزامات الحساب الجارى للدولة تجاه الخارج من دائنين ومستثمرين وهى مسئولية تشارك الدولة بل وتتحملها أكثر من البنك المركزى ..ونستطيع أن نبشر فى هذا المقام بزوال العوائق التى قيدت فى الفترة الماضية فتح الإعتمادات المستندية.
ثانى المهام : قيام البنك المركزى بضبط هيكل أسعار الفائدة داخل السوق ، وهو أمر بالغ الأهمية لإنه يعمل على تشجيع تدفق الإستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الداخل ، كما يحفز المستثمرين فى الداخل ، حيث توجد فى الوقت الحالى فجوات بين أسعار الفائدة الدائنة و المدينة سواءاً فيما يتعلق بتعاملات الأفراد والشركات أو فيما يتعلق بالإستدانة العامة للحكومة ، ولا يعنى ذلك بالضرورة التراجع عن المبادرات الخاصة بدعم الصناعة الوطنية والمشروعات الصغيرة.
ويمثل ذلك ضرورة مهمة حيث يمثل سعر الفائدة الهدف الوسيط للسياسة النقدية والأداة التشغيلية للأسواق.
ثالث المهام : هو الدفاع عن استقرار المستوى العام للأسعار وكبح جماح التضخم كهدف نهائى للسياسة النقدية ، وترتبط هذه المهمة عضوياً بضبط هيكل أسعار العائد ، لكنها تأخذ فى اعتبارها هدفاً رئيسياً للتسعير هو عدم السماح بإنفلات معدلات التضخم و هى مهمة صعبة عندما تتكاثف الضغوط الخارجية والداخلية.
رابع المهام : هو تشجيع القطاع الخاص على العودة للنشاط ، عن طريق إصلاح تشوهات تسعير العائد من جهة ، وحث البنوك على تكثيف تعاونها مع القطاع الخاص وزيادة حجم التسهيلات الإئتمانية الموجهة إليه كما كان يحدث فى السابق ، وهو ما يحتاج إلى تعاون الحكومة فى إفساح الطريق أمام القطاع الخاص نفسه لمشاركة الدولة بشكل فعال فى مجال الإنفاق الإستثمارى حتى لا يقع هذا الإنفاق على عاتق الحكومة وحدها بما يزيد من أعباء الإستدانة العامة ، ولعل العبء الأكبر فى هذه المهمة تتحمله الحكومة وينبغي أن تتحمله لإنجاح جهود "المركزى" على هذا الصعيد .
خامس المهام : قيام "المركزى" بحفز الإستثمارات الأجنبية المباشرة والغير مباشرة للعودة إلى السوق المحلى بمعدلات كبيرة بإصلاح أوضاع سوق الصرف والعائد و استقطاب مؤسسات عالمية للنشاط بالسوق المحلى واستكمال إصلاح العمليات المصرفية من مشتقات مالية وغيرها حتى لا يقف تطور السوق المصرفية عائقاً أمام تدفق الأموال و الإستثمارات إلى الداخل .
هذه المهام الخمسة يمكن إعتبارها بمثابة إجراءات بناء للثقة فى الداخل والخارج ..
"عبدالله" هو إذاً رجل هذه المهام الذى ننتظر منه نجاحاً عاجلاً و ليس آجلاً .