أخذ الجدل المحتدم بشأن أنشطة المنظمات غير الحكومية الأمريكية والأجنبية عامة في مصر، العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوى لها في نحو 40 عامًا.
فقد وجهت إدارة الرئيس باراك أوباما وبعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، من الجمهوريين والديموقراطيين، انتقادات غير مسبوقة لمصر في أعقاب الاتهامات الجنائية لـ 43 من نشطاء المنظمات غير الحكومية، ومنهم 19 من رعايا الولايات المتحدة، بتهمة عدم تسجيل منظماتهم لدى السلطات المختصة والقيام بأنشطة سياسية غير مشروعة.
وطبقًا لما ذكرته وكالة "IPS"، ترددت مخاوف على لسان جورج ليتل، المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية، الذي تحدث رئيسه، ليون بانيتا، شخصياً ولمرتين مع المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حول الجدل الدائر خلال الأسبوعين الأخيري،وقال للصحفيين، "خلاصة القول إن الولايات المتحدة ترى وجوب التوصل لحل سريع لهذه القضية، ولابد من تحقيق ذلك حتى نتمكن من مواصلة تعاوننا الحالي" .
وحتى الآن، لا تلوح أية بوادر للمصالحة، فقد فشلت زيارة مراد موافي، رئيس المخابرات المصرية العامة، غير المعلنة لواشنطن في الأسبوع الماضي في تحقيق انفراج في القضية، مما جعلها تتصدر عناوين 29 ديسمبر الرئيسية بواشنطن حين داهمت السلطات مكاتب 17 من المنظمات غير الحكومية.
وتشمل القائمة منظمات مقرها بالولايات المتحدة، وهي المعهد الديمقراطي الوطني، والمعهد الجمهوري الدولي، ومؤسسة فريدوم هاوس، والمركز الدولي للصحفيين، فضلاً عن المؤسـسـة السياسية الألمانية "كونراد أديناور" .
كما تمت مداهمة عدة منظمات غير حكومية مصرية، بما في ذلك المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ومرصد الموازنة العامة لحقوق الإنسان.
ويشار إلي أن هذه التحركات ضد المنظمات غير الحكومية أتت في أعقاب الانتخابات التي فاز فيها حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين بما يقرب من نصف مقاعد البرلمان، وحزب النور السلفي بنسبة 29%.
وفي واشنطن، توقع معظم المحللين أن تجد أمريكا صعوبة كبيرة في التكيف مع هيمنة الإسلاميين على مرحلة ما بعد الثورة المصرية، لذلك جاءت المفاجأة الكبرى من كون مصدر التوتر الرئيسي حالياً هو مؤسسة الجيش المصري، الذي كان يعتبر منذ فترة طويلة الأكثر مراعاة للمصالح الأمريكية.
ففي مقابل حصوله على إمدادات المساعدات الأميركية المنتظمة عبر السنوات الـ 33 الماضية، لم يعمل الجيش على ضمان السلام مع إسرائيل فقط، فقد تعاون بشكل وثيق أيضاً مع المخابرات الأمريكية وجهود مكافحة الإرهاب، وجاءت تصرفاته كقوة موازنة هامة للقوى "المتطرفة" في المنطقة، مثل إيران، وحافظ حتى وقت قريب على قدر كافٍ من ضبط السياسة الفلسطينية لضمان ألا تسبب إزعاجاً لواشنطن أو تل أبيب.
ومنذ تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد العام الماضي، قام باتهام "أيادٍ أجنبية" بالعمل على تقويض وحدة البلاد واستقرارها، وقد عزز هذه الفكرة قيام إدارة أوباما خلال الـ 9 أشهر الماضية بصرف حوالي 65 مليون دولار بهدف "الترويج للديمقراطية"، وذلك في هيئة مساعدات جاءت من خلال عدة وكالات حكومية والصندوق الوطني للديمقراطية.
ووفقاً لشيلا كارابيكو، خبيرة السياسات العربية والمنظمات غير الحكومية بجامعة ريتشموند، "المجموعات المصرية الحقوقية التي يجري اتهامها بتطبيق أجندات خارجية تعلم أن هذا مثير للسخرية"، وأضافت، "لكن، من ناحية أخرى، فهم يعلمون أن المعهد الجمهوري الدولي، وغيره من المنظمات التي تمولها الولايات المتحدة ليست غير سياسية في أنشطتها، والحكومة الأمريكية تمول هذه المنظمات، لأنها وفقا لطلب الاعتمادات السنوية الحكومية، تخدم المصالح القومية للولايات المتحدة الأمريكية".