حذر عدد من خبراء الإقتصاد والدبلوماسيين والعاملين في مجال التنمية في واشنطن من أن عدم التركيز على الإقتصاد على المستوى الصغير قد يكون أهم عقبة تحول دون الإستقرار في شمال أفريقيا في أعقاب الربيع العربي.
فبعد أكثر من عام ونصف عام من إنطلاق الثورات الشعبية التي أطلقت موجة تاريخية من التفاؤل المؤيد للديمقراطية، لا تزال التحولات السياسية في بلدان الربيع العربي تعاني من التحزب الطائفي ومؤسسات الحكم الصدئة أو الوليدة.
هذه القضايا يعوقها الاقتصاد العالمي المتعثر، لا سيما في أوروبا، وعدم تركيز صناع القرار على القطاع غير الرسمي.
وخلال حواره مع وكالة "IPS"، صرح وليام لورانس، مدير شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن، "يجب ألا ننسى أن محركي انتفاضات الربيع العربي كانوا من الجهات الفاعلة في القطاع غير الرسمي".
واضاف، "فحتى تتوقف هذه الحكومات عن النظر للقطاع غير الرسمي كعدو، وحتى تقرر التوجه إلى هذا القطاع كمصدر للضرائب والوظائف المستدامة، سيكون الوضع الاقتصادي سيئا جدًا في كل هذه البلدان، لكن ما يحدث الآن هو عكس ذلك تماماًا، فهناك حملة متصاعدة على القطاع غير الرسمي."
والمثال الرئيسي في هذا الصدد هو الجزائر، أكبر دولة في شمال أفريقيا، حيث تضاعف حجم القطاع غير الرسمي خلال العقد الماضي، وفقا لأرقام رسمية صدرت في يوليو، بحيث يشمل الآن ما يقارب 4 ملايين نسمة.
أما يحيى زوبير، الأستاذ بمدرسة مرسيليا للإدارة، فقد قال في مؤتمر بشأن المغرب العربي إن الحكومة الجديدة تحاول الآن التخلص من القطاع غير الرسمي بأكمله، وتقول إنها ستقضي عليه بحلول يوليو القادم، إذا لم يكن هناك بديلا، وإذا استمر الاقتصاد على هذا النمط، فستقع البلاد في ورطة.
ونبه "زوبير" إلي أن هذه التحذيرات تنطبق على جيران الجزائر أيضا، بما في ذلك ليبيا وتونس.
وفي هذا، يذّكر لورانس بأن السوق الحرة غير قادرة علي خلق فرص عمل في المناطق الريفية، وأن الحل لن يكون في الزراعة، بحيث أن المصدر الرئيسي للعمالة الآن ليس القطاع الخاص، الذي يحتاج الى أداء أفضل، وليس أيضاًا في القطاع العام، والذي يحتاج أيضا إلى أداء أفضل.
بدلاً من ذلك، يوفر القطاع غير الرسمي والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الجزء الأكبر من العمالة في هذه البلدان.
مثل هذه المشورة في مجال السياسات تصلح لمواجهة المحسوبية التقليدية التي هيمنت على بلدان شمال أفريقيا على مدى عقود، فضلا عن التوجيهات التي تركز عليها الشركات المالية الدولية.
فعلى سبيل المثال، يقوم البنك الدولي حاليا بالتأكيد على أهمية الشركات الكبيرة في خلق فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي، لأن هذه الشركات عادة ما تسيطر على الصادرات.
لكن مصطفى نابلي، المحافظ السابق للبنك المركزي التونسي، يوصي بإتباع الحذر في هذا الصدد، حتى أنه قال وهو يتحدث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية -معهد الأبحاث بواشنطن- أن الصادرات ليست سوى جزء من القضية.. فهناك السوق المحلية أيضًا، وهناك كما هائلا من الديناميكية المتوافرة للصادرات القادمة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وقال نابلي أن الإبتعاد عن هيمنة نخبة القطاع الخاص كان أيضا جانبا مهما وراء إضطرابات الربيع العربي الذي بدأ في تونس، لكن هذا الإعتبار تم التغاضي عنه عندما حققت التحولات السياسية تقدمًا.
وأضاف أن النظام القديم في تونس كان يحاول السيطرة على كل القطاع الخاص، وكان هذا واحدا من أسباب الثورة في تونس. وعندما ثار الشباب، كان السبب الواضح هو البطالة ولكن أيضا الفساد.. الفساد الذي يتوطن في القطاع الخاص، وليس في القطاع العام.