استكمل في هذا المقال تسليط الضوء علي الدور الوظيفي الذي يمكن أن تقوم به البنوك في إطار مشروع النهضة الاقتصادية ما بعد ثورة 25 يناير, فالبنوك يمكنها لعب دور فعال في مساندة سوق الأوراق المالية, والإسراع بعودة الحياة إلي البورصة المصرية.
تستطيع البنوك أن تفعل ذلك عبر ثلاثة محاور أساسية, الأول هو التدخل بقوة عبر إدارات الاستثمارات المالية وصناديق الاستثمار التابعة لها لشراء الأوراق المالية التي ستبدأ البورصة التداول عليها عند مستويات أدني من قيمها الفعلية والسوقية, مما يجعلها جاذبة للشراء علي غرار ما قامت به غالبية البنوك, بصفة خاصة البنوك العامة منها أواخر عام 2008 عقب نشوب الأزمة المالية العالمية وتداعيتها التي أصابت البورصة وأثرت علي أسعار الأسهم التي إنهارت سريعاً قبل أن يقود سلوك البنوك إلي تعديل الاتجاه الهبوطي لها.. هذا الموقف قابل للتكرار الآن, لأن الأزمة الحقيقية التي تشدها البورصة تتعلق بالأوضاع الداخلية, والتي يمكن أن تأخذ منحي الاستقرار قريباً, فضلاً عن الاستفادة من إجراءات التحصين الإداري التي اتخذتها البورصة فيما يتعلق بإيقاف التداول علي الأسهم التي تنهار أسعارها, وحماية صغار المستثمرين.
ثاني هذه المحاور هو الدور الذي يمكن أن تلعبه البنوك في عمليات "الكريدت" أو تنفيذ عمليات شراء لحساب العملاء تقوم شركات الوساطة بخصم قيمتها في وقت لاحق من أرصدة العملاء, وهو ما يمكن أن تساعد البنوك في عمليات تأمين السوق تجاهها من خلال السماح بهامش زمني أطول لتنفيذ الخصم طالما أرصدة العملاء تسمح بذلك, خاصة أن الشريحة المرشحة لأن تكون الأكثر تضرراً هي شريحة صغار المستثمرين بالسوق والتي تحتاج إلي قيام البنوك بهذا الدور.
المحور الثالث هو مساهمة تظهر أثارها في المديين المتوسط والطويل إذا ما قامت البنوك بها وهو إصلاح الخلل الهيكلي في مكون الأوراق المالية داخل البورصة, لتضم قاعدة أكبر من السندات, الأمر الذي يجنب البورصة جانباً من الإنهيارات الحادة والسريعة التي تميز التداول علي الأسهم, وهي عملية تحتاج لفترة انتقالية لتصحيح ذلك التشوه, وتستطيع البنوك لعب دور حاسم في سوق الإصدارات لتشجيع التوسع في طروحات السندات, التي يمكن أن تقوم بطرحها أو ضمانها, مما يعزز من عمليات التداول عليها.
ليس هذا بطبيعة الحال كل ما يمكن أن تقدمه البنوك لتشجيع البورصة علي بدء عمليات التداول, ولكنها محاور لتحركات يمكن أن تساعد بصورة فعالة في اجتياز الحالة الراهنة التي لم تغادرها البورصة حتي الآن, والتي إضطرتها آجواؤها إلي إرجاء بدء التداول اليوم رغم الاستعدادات التي شغلت السوق بالأمس علي أمل استئناف عملها الذي ينبغي ألا يتأخر لما بعد يوم الأحد المقبل لأن حراك السوق والنشاط الاقتصادي المرتقب مرتبط بتفاعل جميع أطراف سوق التمويل وأدائها لدورها الحاسم داخل هذه المنظومة سواءاً تعلق الأمر بالبنوك أو البورصة.
إجتياز الثورة هذه المرحلة الدقيقة إلي البناء الاقتصادي الشامل يحتاج إلي تعزيز هذا التحرك من جانب البنوك.