الرئيس منصور
ينشر "الخبر الاقتصادي" نص كلمة الرئيس عدلي منصور، أمام لجنة الخمسين لتعديل الدستور، وذلك بمناسبة دعوته الشعب المصري للاستفتاء علي الدستور..
بسم الله الرحمن الرحيم
"ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين"
صدق الله العظيم
السيدات والسـادة.. شعب مصر العظيم ..
إنها بحق لحظة تاريخية .. لحظة فارقة في تاريخنا المعاصر ..
لحظة حاسمة بالنسبة لمصر وخارطة مستقبلهـا.
السـيدات والسـادة "أعضـاء لجنة تعديل الدستور"..
أتقدم إليكم بكل الشكر والتقدير علي إنجازكم لهذا التكليف الهام ..
الذي آمل أن يلقي تقدير شعبنا الأبي، صاحب ثورتي 25 يناير و 30 يونيو المجيدتين .. ومصدر سلطات وطننا الغالـي.
أتوجه إليكم .. وإلي أعضاء لجنة الخبراء الذين شاركوا في هذا العمل الوطني الجليل، بكل الامتنان والاعتزاز.
وأقول لكم .. لقد وفيتم العهد لشعبكم، وكنتم خير معبر عن آماله وتطلعاته.. اجتهدتم بشرف .. وأديـتم الأمانـة بمـا يلـزم مـن سمـو وتجرد.
لقد تابعت جلسات لجنتكم الموقرة .. وشاهدت حيوية النقاش بين أعضائها، وما جسده مـن ديمقراطـية وحريـة رأي، وما أبديتموه من حماس ووطنية.. مستهدفين إعداد الدستور الأمثل لمصر وشعبها، في ظل أوضاع وظروف استثنائية يمر بها الوطن.
ـ بعد هذا النقاش المحتدم ـ في تحقيق التوافق، وتغليب الصالح العام، والتسامي عن الرؤى الذاتية، للوصول إلي نقطة التوافق والتلاقي .. نقطة التوازن والوسطية .. التي ميزت شعب مصر دائما، وكانت سر قوته، وخلود حضارته .. إن هذا التوافق هو أصعب اختبارات الوطنية، وأول دروس الديمقراطيـة.
إن الوثيقة التي أنتجتموها هي حصيلة جهد مخلص لكوكبة
من أبناء مصر .. مثلوا كل فئات الشعب بأقصى قدر ممكن من
العدالة والأمانة.. شاركهم فيها آلاف ـ بل ملايين ـ من أبناء الشعب
الذين تفاعلوا مع أعمال ومناقشات اللجنة من خلال الإعلام ووسائل
التعبير عن الرأي المختلف.. وهي المشاركة المجتمعية التي وجدت
دائما صدي واحتراما من حضرتكم.
هذه الوثيقة، هي أيضا، خلاصة علم نخبة من أرفع قامات القانون وخبرائه.. الذين تفخر بهم مصر .. وتباهـي بعلمهـم الأمـم.
واسمحوا لي بهذه المناسبة أن أتقدم بشكر خاص لرئيس لجنتكم الموقرة.. السيد / عمرو موسي الذي قاد مسيرتكم بكل حكمة واقتدار.. ونجح في تقريب وجهات النظر وصولا لهذا الإنجاز الهام .. الذي سيمثل بإذن الله أولي استحقاقات خارطة المستقـبل.
واسمحوا لي أيضاً أن أتقدم بكل الشكر والتقدير للسيد المستشار أمين عام مجلس الشورى وجميع العاملين بالمجلس علي ما قدموه من جهد مخلص لمساعدة اللجنة التأسيسية طوال فترة انعقاد جلساتها.
ـ السـيدات والسـادة..
تباينت رؤى قوى المجتمع بشأن بعض القضايا.. وهو ما قد يظن البعض أن فيه إضعافا لقضيالوطن. .. ولكني أقول لكم أن ثراء هذا الوطن في تنوع أفكار أبنائه .. وقوته تأتي من هذا الثراء إذا أحسن إدارته.
ـ السـيدات والسـادة "أعضاء اللجنة التأسيسية"..
اختلفتم أحيانا من أجل الوطن .. ولكنكم لم تختلفوا عليه .. ندرك جميعا أن هذا العمل الجليل الذي أنجزتموه.. لا يصـل إلـي درجـة الكمال .. فالكمال للـه وحده .. وذلك شأن أعمال العباد .. إلا أنه حقق انجازا وطنيا تاريخيا هاما، بحصوله علي توافقكم في الـرأي عليـه.
فلقد حققتم التوافق علي الرغم من أن قواعد تمثيلكم بتلك اللجنة تأسست علي تنوع انتماءاتكم للمجتمع المصري.
إن مشروع دستورنا الجديد يمثل ثمرة تطور طويل للمسيرة الدستورية في مصر .. التي شرعت بلادنا فيها منذ عشرينيات القرن التاسـع عشـر.
لقد خاض الشعب المصري تجربة تلو الأخرى.. لوضع
دستور شامل يحمي حقوقه ويحدد سلطات ومسئوليات حاكميه .. استرشادا بالتجارب الوطنية والقومية والدولية.
لقد أخذ مشروع الدستور بأحدث ما عرفته الإنسانية .. من مواثيق ونصوص في مجال الحريات وحقوق الإنسان .. والفصل والتوازن بين السلطات.
كما جاء ـ في الوقت نفسـه ـ مجسـدا لطبيعـة شعبنـا .. بإيمانه وعقائده .. باعتداله وتسامحه .. بتاريخه وثقافته .. بامتداداته الحضارية بدوائرها العربية والإسلامية والأفريقية.. ثم برسالته الإنسانية للعالـم كلـه.
ـ السـيدات والسـادة..
ـ الإخـوة المواطنـون ..
أتوجه في هذه اللحظة إلي شعب مصر العظيم.. الذي عانى الكثير من الظلم خلال عقود طويلة.. ولم تتوقف معاناته خلال السنوات الثلاث الماضيات.
لقد أنجز الشعب ثورتين مجيدتين في ثلاث سنوات .. وكانت نفسه تواقة لكي يري تجسيدا أمينا لأهداف ثورتيه .. من خلال دستور عصري .. ومؤسسات حكم وطنية رشيدة تعبر عن إرادته.
ـ الإخـوة والأخـوات ..
آن لنا أن نواجه دعاة الدمار والتخريب بالبناء والعمل الجاد.. وأن نتصدى لمن يؤمنون بالإرهاب وسيلة .. بالمزيد من الإصرار علي الحياة .. تلك الحياة التي وهبنا الله إياهـا.
أمامنا تحديات ضخمة .. نحن قادرون علي التغلب عليها .. أوضاعنـا الاقتصادية صعبـة .. إلا أن لدينا كل مقومات النجاح.
إن تلك اللحظة الاستثنائية .. هي لحظة المكاشفة والمواجهة والتكاتف والمسئولية.
إن اقتصادنا راسخ في أسسه .. وواعد بقدراته .. ولكن بغير انتظام
في مسئولية العمل الجاد المنتج .. نكون قـد قصرنـا فـي حقـه.
بغير قبولنا تحديات الواقع من محدودية الموارد الحالية .. وبغير مكاشفة لأنفسنا لمحدودية بعض القدرات والكفاءات .. سنضيف إلي تحديات ماض فرضت علينا، تحديات من عند أنفسنا .. لنصبح غير قادرين علي تخطي أزمات الحاضر .. بسوء ترتيب أولوياتنا .. وعدم الصدق مـع أنفسنـا.
فلنبدأ في إعادة بناء هذه الدولة العريقة .. التي بدأت في استعادة هيبتها .. والتي لديها من الثروات والخيرات.. ما يحقق تقدمها في مستقبل قريب.. ويعوض شعبها عما قدمه من تضحيـات كثـيرة.
فبعد أن أضعنا وقتا طويلا مـر ـ بطيئا، ثقـيلا، قاسـيا ـ علي العديد من بسطاء وفقراء مصر .. آن الأوان لاستكمال ثورتنا، وإعادة بناء هذا الوطن تحقيقا للتطلعات والطموحات الشعبية .. لنجني الثمار الاقتصادية لما حققناه من نجاح ونضـج سياسـي.
وكما كان تكاتفنا .. شعبا ومؤسسات.. في كسر شوكة ماض لم يع قيمة هذا الوطن.. وفرط في مقدراته بسوء نية .. أو بسوء تقدير .. أصبح لزاماً علينا أن نتكاتف من أجل بناء دولة حديثـة.. تصون للشعب حقوقه .. وترعي مصالحه .. وهو ما لن يتأتى إلا من خلال العمل والمثابرة
والإيثار .. وتحمل المسئولية الوطنية .. وفي ذلك جوهر الثورة وحقيقتها.
صبرنا وقاسينا وثرنا من أجل مستقبل نحيا فيه كلنا أحرارا في كنف دولة ترعي حقوق ومصالح مواطنيها.. ولن نتنازل عن حريتنا .. اعتقادا وتعبـيرا وإبداعـا.
لكن ما ثرنا من أجله كان حريتنا المسئولة .. التي تبني ولا تخرب .. والتي تجمع ولا تفرق.
ولنعلم جميعا أن مصر وطن لا يتحمل فرقة.. ومستقبله لا يقبل الانقسام.. هذا هو قدره قبل أن يكون اختيـاره.
ـ الإخـوة والأخـوات ..
علينا أن نتذكر دائما أن مشروع دستورنا هذا.. هو حصاد لدماء الشهداء .. الذين بذلوا أرواحهم علي درب النضال .. من أجل الحرية للوطن وللشعب .. في ثورات متتابعة، منذ وقفة أحمد عرابي الشجاعة في وجه الاستبداد والطغيان .. ثم ثورة 1919 التي وحدت مطلب استقلال الوطن بمطلب الحرية والديمقراطية..
ثم ثورة 23 يوليو عام 1952 .. ثورة التحرر الوطني .. والنهضة الشاملـة.. والعدالـة الاجتماعيـة.. وصولا إلي ثورتي 25 يناير و30 يونيو.. اللتين جسدتا إصرار الشعب علي بناء دولة تستأصل الفساد
وتغلق أبواب الاستبداد .. وترسخ حقوق الإنسان .. تبني دولة عصرية عزيزة قادرة .. تعلي من قيم الوطن والمواطنـة.
ـ الإخـوة المواطنـون ..
لايمكن أن ننسي شهداء تحرير الأرض والإرادة في حروب مصر المتتالية .. وهم نفس الرجال الذين يضحون بحياتهم كل يوم جيشاً وشرطة في سيناء وفي كل أنحاء مصر .. لحماية أمن الوطن، وكرامة المواطنين في مواجهة إرهاب بغيض .. يستهدف حياة البشر واستقرار البلاد .. ويهدد الحرث والنسـل.
ـ السـيدات والسـادة ..
ـ الإخـوة المواطنـون ..
إن الوثيقة التي بين أيدينا اليوم .. هي نص يفخر به كل مصري .. ونقطة بدء صحيحة لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة التي نتطلع إليهـا جميعـا.
إن الشعب بعد كل التضحيات التي قدمها .. قد سئم من طول انتظاره لإنجاز عملي .. يضع حدا لهـذه الدائـرة المفرغـة.
وها نحن اليوم .. نقدم لشعبنا هذه الخطوة الكبري علي طريق تحقـيق أهدافه .. لكن أقول لهذا الشعب العظيم .. مقتبسا ما قاله الصحابي العبقري عمر بن الخطاب لقاضيه "واعلم أنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له" .. أقول إن هذه الوثيقة الهامة التي كانت نتاج عمل لجنة الخمسين .. لا نفاذ لها إلا بأصواتكم المؤيدة .. فأنتم مصدر السلطات .. وأنتم من سيجعلها ترسي أسس دولة المستقبل .. وتنشئ البناء التشريعي الذي سيبلور الحقوق والحريات التي تضمنتها هذه الوثيقة علي أرض الواقع .. حقوق وحريات ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
ـ شعب مصر العظـيم ..
ها قد حان دوركم .. لكي تبهروا العالم مرة أخري .. ولكي تجعلوا من الخروج للإستفتاء .. يوم تعبير عن إرادتكم الحرة .. يوم عزة لشعب جدير بالديمقراطية وباحترام الدنيا كلهـا.
إن هذا الشعب الأبي الواعي لـم يتخلـف يومـا عـن تلبيـة نـداء الوطـن .. واليوم يا أبناء مصر .. مصر تناديكم .. فقولوا كلمتكم بكل
حرية .. فأنتم مصدر السيادة .. وأنتم مانحو الدساتير شرعيتها ..
فما هذا المشروع سوي محاولة لترجمة طموحات الشعب، واستلهام حكمته، وصياغتها في نصوص مكتوبة .. أما القول الفصل .. فهو لصاحب الكلمة الأولي والأخيرة .. لشعب مصر منبع السلطات وأصل الشرعية... الذي علينا جميعا الانصياع لإرادتـه.
لنبدأ في إرساء دعائم أولي لبنات بناء مصر المستقبل .. مصر التنمية الحقيقية .. التنمية الشاملة لكافة ربوع هذا الوطن .. دون تهميش أو إجحاف لحقوق مستحقة .. حرم منها كثير من أبناء هذا الوطن.
ولهذا العالم من حولنا أقول .. بعد أن أدركتم حقيقة ما جري في مصر منذ 30 يونيو 2012 وحتي الآن .. وبعد أن راجعتم أنفسكم في مواقفكم من مصر الثورة وإرادة الشعـب المصري .. من خلال ما نلمسه من تحول في المواقف .. وجهود للعودة بالعلاقات إلي طبيعتهـا.
أقول لكم أن مصر بمشروع هذا الدستور .. تؤكد أنها تسير علي الطريق السليم في تطبيـق خارطة المستقبل .. التي توافقت عليها إرادة ملايين المصريين في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو .. وهي خطوة ستتلوها خطوات واستحقاقات أخري نحو نظـام ديمقراطـي حقيقـي.
وإني لعلي ثقة في أن الشعب المصري صاحب الحضارة الإنسانية العريقة سيؤكد لكـم ـ مـرة أخري ـ وعلي نحو لا يمكن لكم أن تخطئوه .. أن مصر ستظل دوما فجر ضمير الإنسانيـة وأملـه.
ـ السـيدات والسـادة ..
ـ الإخـوة المواطنون ..
لا أريد أن أنهي هذه الكلمة، دون أن أتحدث إلي أولئك الذين كانت
لهم آراء ومواقف مختلفة خلال الفترة الماضية .. إنني أدعوهم للتحلي بالشجاعة .. والتخلي عن العناد والمكابرة .. التي نعلم جميعا كم هي كُلْفَتُها علي أمن الوطن ومصالح الناس .. أدعوهم للحاق بالركب الوطني .. والتوقف عن السعي وراء سـراب وأوهـام.
فلنجعل هذا الدستور بمثابة "كلمة سواء".. تجمع ولا تفرق .. تؤلف قلوب الجميع .. فالبغضـاء لاتبني .. والكراهية أداة هدم للأواصر الانسانية بين أبناء الوطن .. وأما الاختلاف فهو مشروع .. مادام تم في إطار سلمي يراعي صالـح الوطـن.
ـ السـيدات والسـادة ..
ـ الإخـوة المواطنـون ..
لقد قال الشعب كلمة مدوية فـي 30 يونيو .. وأقول لكم لا عودة للوراء .. فخارطة مستقبل هذا الوطن الأبي و"مصر المستقبل" .. "المستقلة القرار" ماضية في استحقاقاتها .. من خلال دولة حريصة علي إنفاذ
القانون .. واستعادة هيبتها وتلبية احتياجات شعبها .. الذي ضحي كثيرا من أجلها .. وآن الأوان لأن تتحقق له طموحاته وتطلعاته.
فاثبتوا للوطن أنكم حماته .. ولا تجعلوه يفتقدكم حيث يريدكم .. الوطن يريدكم أن تتموا وعدكم لأنفسكم .. بدستور تستحقونه .. فكونوا علي قدر ثقتـه.
ـ شعب مصر العظـيم ..
لقد اتخذت قراري بدعوتكم للاستفتاء علي مشروع تعديل الدستور المعطل الصادر سنة 2012، وذلك يومي الرابع عشر والخامس عشر من يناير 2014.. فلنمض علي بركة الله .. عشتم وعاشت مصر .. وطناً لنا متلاحماً شعباً وحكومة وجيشاً وشرطة .. بمسلميه وأقباطه .. بشبابه وشيوخـه .. بنسائـه ورجاله .. عزيزة أبية قادرة علي مواجهة أي تهديدات أو تحديات .. بعون من الله .. ثم بعزيمة وسواعد أبنائها.
" وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون"
حفـظ الله مصـر ،،،
السـلام عليكـم ورحمـة الله.