توقع صندوق النقد الدولى انخفاض معدل النمو فى مصر هذا العام بما يتراوح بين 2.5 و4% مقابل عام 2010، وذلك انعكاساً لفترات توقف النشاط الاقتصادى أثناء الثورة، وتراجع النشاط السياحى، وانخفاض الاستثمارات.
وذكر تقرير للصندوق، اليوم يحمل عنوان "آفاق الاقتصاد الإقليمى فى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تمر بفترة من التغيير غير المسبوق، ورغم ما يبدو واضحاً اليوم من أن الانتفاضات الشعبية جاءت وليدة الرغبة فى مزيد من الحرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فقد جاء توقيتها مفاجئاً للجميع، وحتى لصندوق النقد الدولى، لافتًا إلى أن الأزمة ترجع إلى جذور سياسية فى الأصل، لكن القضايا الاقتصادية جزء لا يتجزأ منها.
كانت المنطقة تسير على مسار التعافى من الأزمة المالية العالمية حتى أواخر عام 2010، حيث تسارع النمو ليصل إلى 3.9% فى العام الماضى بعد أن بلغ 2.1% فى عام 2009، ارتكازاً على أداء البلدان المُصدرة للنفط فى المنطقة بصفة أساسية. ومع ذلك لم ينجح النمو بتوازنه البطىء طوال السنوات الماضية فى إنشاء الوظائف الكافية للقوى العاملة المتنامية.
ويتبين بوضوح من تطور الأحداث الأخيرة أن الإصلاحات، وحتى النمو الاقتصادى السريع الذى شهدناه من حين إلى آخر فى تونس ومصر، لا يمكنها الاستمرار ما لم تؤد إلى إنشاء وظائف القوى العاملة المتنامية بسرعة، وتقترن بسياسات اجتماعية ملائمة لفئات السكان الأضعف. فحتى يكون النمو قابلاً للاستمرار، يجب أن يكون شاملاً للجميع، وأن يجنى ثماره الجميع، ولا تستأثر به قلة محظوظة.
ويمثل الفساد المتوطن فى المنطقة إهانة غير مقبولة لكرامة مواطنيها، ولاشك أن الافتقاد إلى قواعد لعبة شفافة وعادلة سيكون مُفضياً إلى تقويض النمو الشامل للجميع.
وفى نفس الوقت، لن يُكتب الاستمرار لأى جدول أعمال يقوم على الدمج الاجتماعى ما لم يصبح الاستقرار الاقتصادى الكلى والمالى سائداً. ويمكن أن يكون غياب هذا الاستقرار محكاً حاسماً حتى للبلدان ذات المؤسسات القوية، مثلما بينت الأزمة الأخيرة.
وخلال فترة الاضطراب وعدم اليقين الراهنة فى المنطقة، تزداد أهمية احتواء الاختلالات المتزايدة فى المالية العامة، والارتفاع المستمر فى المديونية وتكاليف خدمة الديون، والتضخم، وهروب رؤوس الأموال. وما لم يتم التعجيل بكبح هذه المخاطر المهددة للاستقرار الاقتصادى الكلى والمالى، فمن الممكن أن تتسبب فى تقويض الثقة وتحويل أى جدول أعمال اجتماعى جديد عن مساره السليم.
ويبرز نوعان من التطورات فى الاحتمالات المتوقعة، وهما عدم الاستقرار فى المنطقة والارتفاع الحاد فى أسعار الوقود والغذاء. ونتيجة ذلك، تسود آفاق الاقتصاد على المدى القريب أجواء عدم يقين كثيفة غير معتادة تنبع من تقلب الموقف السياسى والأمنى فى عدد من البلدان.
فبالنسبة لمعظم البلدان المُصدرة للنفط، ستؤدى الزيادة المتوقعة فى أسعار النفط - من 79 دولاراً إلى 107 دولارات للبرميل - وفى أحجام إنتاجه إلى معدلات نمو أعلى فى عام 2011 وأرصدة مالية وخارجية أقوى، بالرغم من زيادات الإنفاق العام فى الآونة الأخيرة.
ومن المتوقع أن يصل متوسط نمو إجمالى الناتج المحلى الحقيقى فى هذه البلدان (عدا ليبيا) إلى 4.9% فى عام 2011 مقارنة بمعدل 3.5% فى العام الماضى، بينما يُتوقع أن يظل النمو غير النفطى عند مستوى 3.5% فى العام الحالى.
وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجى، يُتوقع أن يصل النمو إلى 7.8% فى العام الحالى نظراً للتوسع فى إنتاج النفط لضمان استقرار العرض العالمى فى مواجهة انقطاع العرض من بلدان أخرى.
ويُلاحظ أن النمو غير النفطى فى دول المجلس مُهيأ لزيادة سريعة تتجاوز نقطة مئوية واحدة ليصل إلى 5.3% فى عام 2011. ومن المُقدر أن يرتفع فائض الحسابات الجارية الخارجية المُجمعة من 172 مليار دولار إلى 378 مليار دولار للبلدان المصدرة للنفط (عدا ليبيا)، ومن 136 مليار دولار إلى 304 مليارات دولار فى دول مجلس التعاون الخليجى.
وتتباين آفاق الاقتصاد بين البلدان المستوردة للنفط، فبالنسبة لمصر وتونس، نتوقع انخفاض النمو هذا العام بما يتراوح بين 2.5 و 4 نقاط مئوية عما كان عليه فى عام 2010، انعكاساً لفترات توقف النشاط الاقتصادى أثناء الاحتجاجات، وتراجع النشاط السياحى، وانخفاض الاستثمارات.
ويفرض عدم اليقين السياسى عبئاً على الاقتصاد بلبنان، بينما يظل النمو مكبوحاً بباكستان نتيجة تداعيات السيول التى اجتاحت البلاد فى العام الماضى، غير أن النمو واصل الانتعاش فى معظم البلدن الأخرى، حيث استفادت الأردن وموريتانيا والمغرب من ارتفاع أسعار الفوسفات والحديد الخام.
وتعمل الحكومات فى جميع أنحاء المنطقة على مواجهة التطورات السياسية - وارتفاع أسعار السلع الأولية - بالتوسع فى دعم أسعار الوقود والغذاء، وزيادة الأجور ومعاشات التقاعد فى جهاز الخدمة المدنية، وإجراء تحويلات نقدية إضافية، وتخفيضات ضريبية، وزيادات أخرى فى الإنفاق. ويتراوح حجم التدابير المالية القومية فى العام الحالى بين أقل من 0.5% من إجمالى الناتج المحلى فى بعض بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى المستوردة للنفط إلى حوالى 22% من إجمالى الناتج المحلى فى المملكة العربية السعودية (مع تزويد الإنفاق على مدار عدة سنوات). وبينما تتوافر لدى بعض البلدان موارد كافية لتمويل هذا الإنفاق الإضافى بسهولة، فإن ذلك يمثل ضغطاً على الموارد العامة ومستويات المديونية فى البلدان الأخرى. ويمكن أن تكون مساندة المجتمع الدولى عاملاً مساعداً فى سد احتياجات التمويل واحتواء تراكم الديون.
وقد تسارع معدل التضخم الكلى عبر بلدان المنطقة، مدفوعاً فى الأساس بارتفاع الأسعار الدولية للسلع الأولية. غير أن هناك مؤشرات تفيد بأن تضخم أسعار الغذاء والوقود بدأ ينتقل إلى معدل التضخم الأساسى. وبشكل أعم سوف يتعين على البنوك المركزية فى المنطقة أن توجه اهتماماً أكبر إلى التضخم الكلى عند تحديد أسعار الفائدة الأساسية وموقف السياسة النقدية الكلى، نظراً لأن الغذاء والوقود يمثلان نصف مؤشرات الأسعار الاستهلاكية تقريباً فى البلدان التى تغطيها إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ولأن صدمات أسعار السلع الأولية من المرجح أن تستمر بشكل مزمن إلى حد ما. وسوف تنشأ ضغوط رافعة لأسعار الفائدة الأساسية أيضاً تحت تأثير الزيادة المستمرة فى أسعار الفائدة العالمية وعلاوات المخاطر السيادية.
وبخلاف التحديات الآنية، تتيح الانتفاضات الأخيرة فرصة كبيرة لوضع ركيزة لجدول أعمال النمو القائم على الدمج الاجتماعى فى الشرق الأوسط، ويتعين على كل بلد أن يحدد مساراً نابعاً من الداخل لإحداث تغيير يشعر الجميع بملكيته، لكن كل البلدان ينبغى أن تتجاوب مع بعض الأهداف المشتركة لتحقيق إمكانات المنطقة على المدى الطويل، وهى البيئة الاقتصادية الكلية المستقرة لكسب الثقة وجذب الاستثمارات، ووظائف القطاع الخاص الكافية لاستيعاب العاطلين الحاليين والقوى العاملة سريعة النمو، والفرص الاقتصادية المتاحة للمواطنين، والحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة، والمؤسسات القوية والشفافة التى تضمن المساءلة والحوكمة السليمة.