"فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل شجعوا قيادتكم على نضال السلام، ويا أيتها الأم الثكلى، ويا أيتها الزوجة المترملة، ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب، يا كل ضحايا الحروب، املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر. اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال وإرادة الشعوب هو من إرادة الله".. تبقى كلمات السادات في أذهان العدو الصهيوني في ذلك التاريخ من كل عام، حيث أثارت زيارات الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات جدلا واسعاً في العالم؛ وقام السادات بتاريخ 19 نوفمبر 1977، بزيارة القدس، باعتبار ذلك خطوة لدفع عملية السلام بين مصر وإسرائيل.
وأدت حرب السادس من أكتوبر 1973، وعدم التطبيق الكامل لبنود القرار رقم 338، والنتائج غير المثمرة لسياسة المحادثات المكوكية التي انتهجتها الخارجية الأمريكية، والتي كانت عبارة عن استعمال جهة ثالثة "الولايات المتحدة" كوسيط بين جهتين غير راغبتين بالحديث المباشر، والتي كانت ممثلة بالعرب، وإسرائيل، أدت هذه العوامل إلى تعثر وتوقف شبه كامل في محادثات السلام.
ومهدت النتائج الطريق إلى نشوء قناعة لدى الإدارة الأمريكية المتمثلة في الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر بأن الحوار الثنائي عن طريق وسيط لن يغير من الواقع السياسي لمنطقة الشرق الأوسط، وحدثت في إسرائيل تغييرات سياسية داخلية حيث فاز حزب الليكود في الانتخابات الإسرائيلية في 1977، وكان يمثل تيارًا أقرب إلى الوسط، وكان لا يعارض فكرة انسحاب إسرائيل من سيناء، ولكنه كان رافضًا لفكرة الانسحاب من الضفة الغربية.
وعلى الجانب الآخر بدأ الرئيس محمد أنور السادات تدريجيًا يقتنع بعدم جدوى القرار رقم 338، بسبب عدم وجود اتفاق كامل لوجهات النظر بينه وبين الموقف الذي تبناه حافظ الأسد، والذي كان أكثر تشددًا من ناحية القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل بصورة مباشرة.
وبسبب هذه العوامل فضلًا عن تدهور الاقتصاد المصري، وعدم ثقة السادات بنوايا الولايات المتحدة بممارسة أي ضغط ملموس على إسرائيل، اتخذ قرار زيارة إسرائيل بعد تفكير طويل، وبعدما قام بزيارة رومانيا، وإيران، والسعودية قبل الزيارة، وصرح السادات في خطاب له أمام مجلس الشعب بأنه مستعد أن يذهب إليهم في إسرائيل.
وقام السادات بزيارة سوريا قبيل زيارة إسرائيل، وعاد في نهاية اليوم بعد أن حدثت مشادة كبيرة بينه وبين السوريين، لأنهم كانوا معترضين على الزيارة، فيما قال له الرئيس الروماني، نيكولاي شاوشيسكو، إن مناحيم بيجن بلا شك صهيوني وصهيوني جدًا، ولكنه رجل سلام، لأنه يعرف ما هي الحرب، ولكنه أيضًا يريد أن يترك اسمه علامة في تاريخ الشعب اليهودي.
كما سبقت زيارة السادات للقدس، مجموعة من الاتصالات السرية، حيث تم إعداد لقاء سري بين مصر، وإسرائيل في المغرب، تحت رعاية الملك الحسن الثاني، التقى فيه وزير الخارجية الإسرائيلي، موشى ديان، وحسن التهامي، نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية، وفي أعقاب تلك الخطوة التمهيدية قام السادات بزياراته لعدد من الدول.
وفي افتتاح دورة مجلس الشعب في 1977 أعلن السادات استعداده للذهاب للقدس، بل والكنيست الإسرائيلي، وقال "ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم"، إلى أن قام بالفعل بزيارة إسرائيل، 19 نوفمبر 1977، وألقى خطابًا أمام الكنيست الإسرائيلي في 20 نوفمبر 1977، وقال فيه إنه يستهدف السلام الشامل.
ودعا السادات بيجن لزيارة مصر، وعقد مؤتمر قمة في الإسماعيلية، وبعد اجتماع الإسماعيلية بدأت اللقاءات وأيضًا المماطلات الإسرائيلية، فألقى السادات خطابًا في يوليو 1978 قال فيه "إن بيجن يرفض إعادة الأراضي التي سرقها إلا إذا استولى على جزء منها، كما يفعل لصوص الماشية في مصر"، إلى أن بدأت مباحثات كامب ديفيد، والتي انتهت بالاتفاقية السلام المصري مع إسرائيل والتي تحمل نفس الاسم.
وبدأ السادات خطابه أمام الكنيست "أيها السيدات والسادة اسمحوا لي أولا أن أتوجه إلى السيد رئيس الكنيست بالشكر الخاص، لإتاحته هذه الفرصة، لكي أتحدث إليكم. وحين أبدأ حديثي أقول: السلام عليكم ورحمة الله، والسلام لنا جميعا، بإذن الله السلام لنا جميعا، على الأرض العربية وفي إسرائيل ، وفي كل مكان من أرض هذا العالم الكبير، المعقَّد بصراعاته الدامية، المضطرب بتناقضاته الحادَّة، المهدَّد بين الحين والحين بالحروب المدمِّرة، تلك التي يصنعها الإنسان، ليقضي بها على أخيه الإنسان. وفي النهاية، وبين أنقاض ما بنَى الإنسان، وبين أشلاء الضحايا من بنِي الإنسان، فلا غالب ولا مغلوب، بل إنَّ المغلوب الحقيقي دائما هو الإنسان، أرقى ما خلقَّه الله. الإنسان الذي خلقه الله، كما يقول غاندي، قدّيس السلام، "لكي يسعى على قَدَميه، يبني الحياة، ويعبد الله".
وتابع "قد جئت إليكم اليوم على قَدَمَيْن ثابتَتَيْن، لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقِيم السلام وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا، مسلمين ومسيحيين ويهود، نعبد الله، ولا نشرك به أحدا. وتعاليم الله ووصاياه، هي حب وصدق وطهارة وسلام".