حظي الاقتصادي غاري بيكر الحائز جائزة نوبل وخريج جامعة شيكاغو الذي توفي مؤخرا، بالكثير من ألقاب التشريف: «أعظم اقتصادي على قيد الحياة»، «العالم الذي شق الطريق»، «أعظم عالم اجتماعي عاش وعمل خلال نصف القرن الأخير» وجاء اللقب الأخير من معلمه ميلتون فريدمان. .
ظل الاقتصاديون خلال النصف الأول من القرن العشرين منهمكين في دراسة أساسيات الاقتصاد. وبحث الاقتصاديون البارزون الشركات والأسعار والتجارة ورأس المال والإنتاج والإنفاق الحكومي والدورات التجارية، ومثل تلك الأشياء.
بدأت اهتمامات بيكر الفكرية بصورة تقليدية نسبيا، وكان عنوان أطروحته الرئيسة عام 1951 في كلية برينستون «نظرية التجارة متعددة البلدان».
لكن سرعان ما اتسمت مواضيعه بمنحى أكثر غرابة بعض الشيء في البحث خلال المرحلة الجامعية المتقدمة.
وتلك هي المرحلة التي بدأ فيها إدخال النظريات الاقتصادية والنماذج الرياضية الرسمية على المواضيع التي كانت تقليديا خارج إطار الاقتصاد.
فعلى سبيل المثال بحث في أطروحته عام 1955 في جامعة شيكاغو علم اقتصاد التمييز العنصري. وباستخدام براهين رياضية رائعة قال بأن التمييز العنصري لا يؤذي فقط من يوجه ضده، بل من يوجهه أيضا. فمن شأن تجنب معاملة تجارية بسبب الكبرياء فقط، أن يفرض تكاليف في نهاية الأمر. وإن لم توظف شركة أكثر العاملين المتوفرين إنتاجية لأن العامل أسود (أو أنثى أو كبير السن إلى ما غير ذلك) فهي تحدّ من ربحيتها.
وأخيرا تقلد بيكر مناصب في علم الاقتصاد الاجتماع. وأضاف: «لفترة طويلة تعرض عملي إما إلى التجاهل أو الكراهية الشديدة من قبل كبار الاقتصاديين» وكنت أعتبر خارجا وربما لم يُعترف بي كاقتصادي حقيقي.
ولم يردعه شيء عن مواصلة بحثه في مواضيع أخرى لم تكن «اقتصادية حقا» وشق طريقه الأكاديمي بجرأة، حتى توج أعماله بفوزه بجائزة نوبل عام 1992.