· الإدارة السياسية الواعية مهدّت لخروج مؤتمر شرم الشيخ على النحو الذى ظهرت به
· "السيسي" سعى إلى ضمان التعهدات الخليجية قبل بداية المؤتمر فكانت نقطة تحوّل حاسمة
· الحكومة استقبلت المستثمرين بإصلاح البيئة التشريعية وطرح القطاعات الأكثر جذبًا للاستثمارات
· تحفيز العوامل التشغيلية للاقتصاد يعمل على "استدامة" تحسن معدلات النمو
يستطيع أى مُتابع لمؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى بـ "شرم الشيخ" أن يتحقق من نجاح المؤتمر، الذى اختتمت فعالياته قبل أيام قليلة، ليس فقط بالرجوع إلى حجم الاستثمارات التى جرى الاتفاق على تدفقها إلى السوق المحلية سواء تم ذلك عبر اتفاقات نهائية أو مذكرات تفاهم أو حتى تعهدات، وإنما عبر شواهد أخرى عديدة تقف خلف الأرقام والمبالغ المالية الضخمة التى تم الإعلان عنها.
فبالرغم من أهمية الاتفاقات التى قدّر حجمها بنحو 142.7 مليار دولار مُوزعة بين نحو 70 مليار دولار اتفاقات تم توقيعها بصفة نهائية منها 36.2 مليار دولار استثمارات مباشرة، بالإضافة إلى 82 مليار دولار أخرى تمثل إجمالى قيمة مذكرات التفاهم والتعهدات، إلا أن الأهم هى تلك المؤشرات التى تشير إلى القدرة على التخطيط الأمثل للاستفادة من تلك التدفقات ومحاولة تعظيم العائد منها حتى لا تكون طفرة عارضة تنسحب آثارها فور انتهاء زخم الحدث.
المؤشرات السابقة هى الضامن الحقيقى لتحويل نتائج مؤتمر "شرم الشيخ" إلى واقع ملموس، فهى تقدِّم 5 أسباب للتفاؤل بمستقبل الاستثمار فى مصر.
· وعى صانع القرار
أول ما تكشف عنه هذه المؤشرات أن الإدارة السياسية التى مهدّت لخروج مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى على النحو الذى خرج به فى شرم الشيخ لعبت دورًا حاسمًا فى توفير الحد الأدنى المطلوب لنجاحه، حيث ظهر أن الاتصالات المكثفة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى قبل أشهر من إقامة المؤتمر كان لها انعكاسها الواضح فى طبيعية التمثيل العربى لمراكز الثقل الاستثمارى بالمنطقة وهى "السعودية والإمارات والكويت" التى تواجدت بولى العهد فى الأولي، وحاكم دبى فى الثانية، وأمير الثالثة، وكذلك ما يتعلق بالتعهدات المالية التى تم الإعلان عنها خلال المؤتمر، ولم يقتصر الأمر على مجرد التمثيل رفيع المستوى فى مؤتمر هو فى المقام الأول اقتصادي، ولكن نظرًا لحرص القيادة السياسية على مباشرة تلك الاتصالات والسعى إلى ضمان تلك التعهدات، لهذا جاءت النتائج فى مستوى التطلعات التى عقدت عليها فكان أول ما أُعلن عنه هى التعهدات المالية من السعودية، والإمارات، والكويت، وسلطنة عمان، وبلغت فى مجموعها نحو 12.5 مليار دولار توزع بواقع 3 مليارات من كل من الدول الثلاث الأولى و500 مليون دولار من سلطنة عمان.
ما حدث لم يكن لينتهى إلى تقديم هذه التعهدات لولا قيام الرئيس بهذه الاتصالات تأكيدًا على نوايا الدولة للنهوض الاقتصادى ووضع هذا الهدف فى مقدمة الأولويات من رأس الجهاز الإدارى إلى أصغر سلطة به، وهكذا استطاع "السيسي" أن يحشد زخمًا قويًا للانطلاقة الأولى تبعته بعد ذلك العديد من التحركات التى واصلت القيادة السياسية مُتابعتها لها ورعايتها حتى فاقت قيمة الاتفاقات التى تم إبرامها، وكذلك مذكرات التفاهم ما كان متوقعًا فى أكثر السيناريوهات تفاؤلًا قبل المؤتمر وتكفى هنا الإشارة إلى أن الرئيس السيسى قبل 3 أشهر، خلال افتتاحه أعمال تطوير مطار الغردقة الدولي، أشار وقتها إلى حاجة الدولة إلى 40 مليار جنيه للإنفاق الاستثمارى الإضافى ولم يكن "قرش" منها حاضرًا فى هذ االتوقيت ليضمن هو نفسه عشية انعقاد المؤتمر تدفق ضعف هذا الرقم عبر التعهدات العربية وحدها.
رغم هذا النجاح أدركت القيادة السياسية بوعيها الواضح بظروف اللحظة أنه من الأهمية بمكان انتزاع ثقة المستثمر الأجنبى وحثه على دخول السوق بعد أن تكفل المستثمر العربى بكسر الحاجز النفسى ولأن المؤتمر أحسن الإعداد له من حيث إتاحة أكبر قدر ممكن عن الفرص الاستثمارية التى عرضتها الحكومة وتحتاج السوق إليها لهذا جاء التحرك على القطاعات التى تملك مصر ميزة نسبية فيها كمجالات للاستثمار الجيد مثل "الطاقة، والبترول، والتعمير والإسكان" لتحظى باهتمام المستثمرين وتنجح فى استقطاب العديد منهم والذى سارع بعضهم إلى توقيع اتفاقات لدخول السوق، فيما وقع البعض الآخر مذكرات تفاهم للتأكيد على جدية النوايا.
هذا التحرك الواعى من جانب القيادة السياسية هو أحد أسباب التفاؤل بمستقبل الاستثمار فى مصر، فعندما تكون القيادة بهذا القدر من الحرص على تحقيق النجاح وتعظيم العائد منه، لا يعد مؤتمر شرم الشيخ سوى نقطة انطلاق يمكن بل ويتعين استثمار تكرارها سنويًا ليكون انعقاده فرصة للتواصل بين المُستثمرين وصانعى القرار الاقتصادى فى مصر لمراجعة المناخ الاستثمارى وتذليل الصعوبات التى تواجه مُمارسة الأعمال داخل السوق.
· التشريعات والرؤية التخطيطية للحكومة
أحد أسباب نجاح مؤتمر شرم الشيخ والتى تدعو للتفاؤل بشأن المستقبل الاستثمارى للسوق، التخطيط الجيد الذى قامت به الحكومة، سواء فى الإعداد لطرح المشروعات التى يحتاج إليها الاقتصاد وينقصه التمويل فيها أو تلك التى يُقبل عليها الاستثمار الأجنبى بوجه عام عند دخول سوق جديدة.
فهى فى تخطيطها راعت المُواءمة بين الاحتياجات المحلية والاحتياجات الأجنبية وهو ما أدى إلى إقبال ملحوظ على ما تم طرحه من مشروعات، حيث وضح التركيز على قطاعات الطاقة والبترول والتنمية والاستثمار العقاري، وكما نلاحظ حظت هذه القطاعات باهتمام المستثمرين لأن طبيعة التمويل فيها تتميز بالكثافة وكذلك عائداتها هى الأعلى نسبيًا مقارنة بغيرها، كما أنها كثيفة العمال.
وإذا ما راجعنا هذه المزايا فإننا نجد أن مشاركة المستثمرين الأجانب فى توفير التمويل لتلك المشروعات يخفف من العبء المُلقى على كاهل الحكومة ويسرع بوتيرة تنفيذها التى تمثل ضرورة مُلحة لغيرها من المشروعات، كما هو الحال فى قطاع الطاقة بوجه خاص، فى الوقت الذى تضمن فيه عائدات هذه المشروعات المرتفعة تحقيق ميزة مهمة للمستثمر، فضلًا عن أن هذه المشروعات من جهة أخرى يؤدى دخولها السوق إلى إنعاش قطاعات أخرى ترتبط بها ارتباطًا وثيقًا، وبالتالى يؤدى نشاط بعضها إلى نشاط البعض الآخر وإنعاش جانب العرض الكلي، كما أن زيادة عرض فرص العمل الناجمة عن تنفيذ تلك المشروعات يقلص من مُعدلات البطالة، وهو ما يهم أى حكومة، وبطبيعة الحال الحكومة الحالية أكثر من غيرها بعد أن جاوز معدل البطالة أكثر من 13%.
يندرج أيضًا تحت الرؤية التخطيطية الجيدة التى كشفت عنها الحكومة قبل المؤتمر وإبانه حيث دفعت بـ 4 تعديلات على قوانين "ضمانات والحوافز الاستثمار" كأحد أهم الإجراءات التى استقبلت بها المستثمرين، وكذلك قوانين الشركات المساهمة والتوصية بالأسهم وذات المسئولية المحدودة و"الضريبة العامة على المبيعات" و"ضريبة الدخل" حيث قام الرئيس "السيسي" بإصدارها عشية افتتاح المؤتمر، لتكون الدولة بذلك قد برهنت على نواياها لتشجيع وحفز الاستثمارات الجديدة على دخول السوق المحلية، وهى خطوة كان المستثمرون يترقبونها للتأكد من أن ما سيجرى الاتفاق عليه فى "شرم الشيخ" سوف يتوفر له الغطاء التشريعي.
حرص الحكومة والقيادة السياسية على تقديم تلك التطمينات يعكس وعى الرؤية التخطيطية التى مهدّت لـ "شرم الشيخ" لأن الإعداد الجيد فنيًا وماليًا لطرح المشروعات المستهدفة يبقى هشًا فى غيبة إطار تشريعى يتسم بالجدية والمُواءمة اللازمة للتوافق مع مُتطلبات المرحلة، ويشعر المستثمر أنه أمام بيئة أعمال جديدة وليس مجرد مقترحات ودراسات جدوى جديدة، وهى استجابة غير تقليدية من جانب الحكومة لاهتمامات المستثمرين.
· استهداف العوامل التشغيلية للاقتصاد
سبب آخر للتفاؤل بمستقبل الاستثمار فى الفترة المقبلة يتمثل فى إدراك الحكومة لأهمية إعطاء الأولوية للاستثمارات التى تستهدف العوامل التشغيلية للاقتصاد، وهى تلك الاستثمارات التى تخلق مشروعات كثيفة العمالة ترفع من معدلات التشغيل داخل السوق، وتساعد على خلق طلب فعال على العرض الكلى للسلع والخدمات التى يفترض أن تتزايد فى ظل معدلات نمو ترتفع تدريجيًا مع تدفق الاستثمارات إلى الداخل وزيادة معدلات الإنتاج، وقد نلاحظ منذ فترة زيادة معدلات الاستهلاك العام والخاص، ما يشير إلى نشاط العوامل التشغيلية داخل الاقتصاد وميلها إلى التحسّن التدريجي، الأمر الذى يفترض فى ظل تدفق الاستثمارات الجديدة أن يتزايد وهو عنصر بالغ الأهمية فى حيوية دورة النشاط الاقتصادي.
وما يدعو إلى التفاؤل أن تلك الاستثمارات الجديدة تعتمد على العوامل التشغيلية لزيادة الطاقة الاستيعابية للسوق على تقبل تدفق استثمارات جديدة بمضى الوقت لأن نمو معدلات الاستهلاك بوجه عام توفر فرصًا أكبر للنمو الاقتصادى الداخلى بالاعتماد على قوى الطلب الكلى المحلي، فضلًا عن كون القطاعات التى استهدفتها الاستثمارات الجديدة وهى "الطاقة، والبترول، والتنمية العقارية" تعمل على الطلب الخارجى كذلك، مما يوفر كذلك فرصًا أكبر للنمو ولكنها لا تعمل إلا بالتشابك مع العوامل التشغيلية الداخلية التى يتعين أن تنشط لخلق بيئة عمل فعالة خاصة أن نشاط القطاعات السابقة يعمل على نشاط القطاعات الأخرى داخل الاقتصاد والتى لم تتلق استثمارات مباشرة مماثلة.
هذا الوضع يخدم كذلك المالية العامة للدولة التى يفترض أن تحقق نموًا موازيًا فى الإيرادات العامة نتيجة انتعاش معدلات النشاط الاقتصادي، حيث يترجم ذلك مباشرة إلى نمو فى المُتحصلات الضريبية دون توسع فى فرض ضرائب جديدة تقيد من نمو النشاط الاقتصادي، وإنما تعتمد على نهج الضرائب التصاعدية التى ترتبط فى تحقيق مُتحصلات أكبر بزيادة النشاط الاقتصادى وتحقيق معدلات عائد أعلي.
لهذا فإن التفاؤل فى هذه الحالة ليس مجانيًا وإنما تظهره مؤشرات واقعية، فلم تكتف الحكومة بما تمنحه من مؤتمر شرم الشيخ بل اتبعته بمبادرة بالغة الأهمية على صعيد العوامل التشغيلية هى مبادرة "مشروعك" التى وفرت من خلالها 3 مليارات جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر بهدف إدخال عدد كبير من قوى الطلب على العمل إلى السوق، استباقًا للآثار التى يفترض أن تترتب على دخول الاستثمارات الجديدة طلبًا لمردود سريع على سوق العمل وكذلك معدلات النمو.
سببٌ آخر للثقة فى مستقبل الاستثمار بالسوق عبّر عنه الموقف العربى الداعم الذى كان واحدًا من أهم ملامح نجاح مؤتمر شرم الشيخ، فكما ذكرنا استطاع الاتفاق مع كل من السعودية والإمارات والكويت أن يمنح الاقتصاد ركيزة مالية تقدر بنحو 93 مليار جنيه، هذه الركيزة كانت كفيلة بمنح الثقة لصانع القرار الاقتصادى فى إمكانية عبور الظرف الدقيق الذى يمر به الاقتصاد الوطنى وانطلاقه مرة أخرى لتحقيق معدلات نمو مرتفعة.
أبرز ما فى هذا العامل من قوة هو ما برهن عليه من أن المال العربى يمكن الرهان عليه لأن القاسم المشترك بين هذه الدول التى تعهدت بتقديم هذه الأموال تجاوز المصلحة الاقتصادية "البراجماتية"، التى هى قائمة بالفعل، إلى ما هو أكثر أهمية وعمقًا ويتعلق بمصالح تمس الوجود والهوية السياسية للأنظمة الحاكمة فى تلك الدول بعد تكشف المخطط الدولى الذى كان يهدف إلى تفكيكها وإضعافها، حيث كانت البداية من مصر ومن ذات النقطة التى جرت منها محاولة الاختراق كانت المقاومة لإفشال المخطط، والتى تمت بنجاح لتدرك هذه الدول أن الدفاع عن مصر ومحاولة بناء مصر القوية اقتصاديًا وبالتالى سياسيًا وعسكريًا هى أولوية ينبغى تحقيقها وتوفير سُبل النجاح لها.. من هذا المنطلق يمكن فهم الموقف الخليجى من مصر.
هذا الموقف يختلف عن غيره من المواقف التى قدمت فيها دول الخليج يد العون والمساندة لمصر، فهى ليست مجرد مساعدات اقتصادية وإنما عملية متشابكة للإنقاذ وهذا ما يدعو للتفاؤل على نحو واقعي، فالأمر يتجاوز حجم الأموال المُقدمة إلى مصر من جانب هذه الدول، إلى الضرورة الاستراتيجية المُحرضة على هذا النمط من السلوك والتى تعنى أنه لا بديل عن تقديم الدعم والمساندة ولكن لا يعنى ذلك فى المقابل أن تتحول تلك المساعدات إلى ضريبة يجنيها الاقتصاد المصرى متى شاء لأنه أى تهاون فى الاستفادة من هذا الوضع الاستثنائى سوف ينال من رصيد الثقة الذى ترسخ فيما بين هذه الدول الثلاث من جانب، ومصر من الجانب الآخر فيما يتعلق بنوايا الإصلاح الناجز فى أسرع وقت ممكن.
مُبادرة الجانب العربى منحت كذلك قدرًا كبيرًا من التفاؤل فيما يتعلق بضبط أوضاع سوق الصرف الأجنبية فى مصر لإعادة الاعتبار إلى العملة الوطنية، حيث أعلن البنك المركزى عن أن نحو 2.5 مليار دولار من إجمالى قيمة التعهدات العربية سوف يحول إلى رصيد الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك، وهو ما اعتبره "المركزي" مؤشرًا بالغ الأهمية على إمكانية حسم معركة استقرار سوق الصرف المحلى فى مواجهة المضاربين لأن إضافة هذا المبلغ إلى أرصدة الاحتياطى من شأنه أن يدعم قوة البنك فى عرض الدولار بالسوق من خلال إتاحته بالبنوك لتمويل فتح اعتمادات التجارة الخارجية للمستوردين مع ضمان صرف مُستحقاتهم وعائداتهم عن طريق القنوات المصرفية لتقليص نفوذ السوق الموازية وهو ما سيكون له أثر فعّال فى جذب المزيد من الاستثمارات إلى السوق فى ظل اطمئنان المستثمرين إلى تلافى مخاطر أسعار الصرف فى هذه السوق والتى تهدّد صافى عائداتهم بالتآكل فى ظل استمرار اضطراب أسعار الصرف.
وتعد هذه الميزة سببًا آخر للثقة فى مستقبل الاستثمار.
· دور الرأسمالية الوطنية
سببٌ خامس للتفاؤل بمستقبل الاستثمار فى مصر كشف عنه موقف المُستثمرين المحليين وأصحاب الأعمال سواء من أعلن منهم عن مُبادرة أو توجّه أثناء مؤتمر شرم الشيخ مثل عائلة "ساويرس" التى أعلنت عن توسيع لنشاط شركة أوراسكوم فى مجال التشييد والبناء، أو الاستثمار السياحي، أو ما أعلن عنه محمد فريد خميس من خطط للتوسع فى السوق المحلية ونقل بعض الاستثمارات من أسواق أجنبية إلى السوق المحلية، وجميعها مشروعات بمليارات الجنيهات أو من اكتفى منهم بالمشاركة للتأكد من فرص النشاط الاقتصادي، استعدادًا لانتهاز أحدها، وضخ استثمارات إضافية إليها أو البحث عن شراكات واعدة لإعادة إحياء نشاطه بالسوق وهم كثر من بين من حضر المؤتمر منهم، لكن الأهم من هذا وذلك هو هذه الروح التى دبّت فى جسد الرأسمالية المصرية.
فهذه الرأسمالية -إذا جاز التعبير- هى التى كان ينبغى عليها أن تأخذ زمام المبادرة وتمنح المستثمرين الأجانب التطمينات التى يبحثون عنها، فمن غير المعقول تصوّر سوق جاذبة للاستثمارات يُحجم فيه المستثمرون المحليون عن النشاط وضخ الاستثمارات الجديدة إليها، وإذا كان الظرف الاستثنائى الذى مرّت به الدولة قد ألقى بظلاله على هذا الوضع إلا أن عودة المستثمرين المحليين للحاق بركب هذه الأجواء يعطى الثقة فى مستقبل الاستثمار فى مصر، فبعد التردّد والمخاوف التى سيطرت عليها على مدار 4 سنوات مضت، لم تكن التوجيهات السياسية مهما بلغت سطوتها لتدفعهم إلى تبنى هذا الموقف وإنما إدراكهم بخبرة السوق أن حرصهم على نصيب مُرضٍ من المشروعات والنشاط الاقتصادى خلال هذه الفترة يقتضى مثل هذا التحرك والسعى إلى اقتناص فرص واعدة.
هذه الأجواء تبعث على الثقة، لأن نشاط المستثمرين سيحرض الأجانب على تنفيذ وعودهم والإسراع بدخول السوق، كما سيُهيئ أجواء وبيئة الأعمال للنشاط ليكونوا بذلك قد واكبوا ما سعت الحكومة لإحداثه فى انتظار تدفق الاستثمارات الموعودة من طرح لمُبادرة "مشروعك" لتحريك سوق العمل وبصفة خاصة عند قاعدة النشاط الاقتصادى حيث الأغلبية من أصحاب الأعمال والعمالة التى فى حاجة إلى الاندماج فى أجواء الاستعداد، وبالتالى فإن القطاع الخاص الوطنى عندما يتحرك سيعطى دفعة موازية فى قطاعات أخرى ليشرع السوق فى الحركة دون إبطاء أو انتظار.
لهذا فإن موقف الرأسمالية الوطنية يدعو إلى التفاؤل، ويشترك مع الأسباب السابقة فى صنع حالة ما، يُمكن أن نطلق عليها "روح ما بعد شرم الشيخ".