مكتبة الاسكندرية
قال الدكتور أحمد فرح إن الفن القصصيّ والروائيّ يُعد من أكثر الأشكال الأدبية اهتمامًا بالمهمشين، فقد انحازت فنون القصّ والتعبير عن الواقع الإنساني لفئات لم تحظَ من قبل بكل هذا التواجد داخل النص الأدبي، وأشار إلى أن المهمشين والفقراء طبقات غُيبت عنها حقوق الحياة والعيش الكريم، وقليلًا ما تم تناول معاناتها، وإن كانت هُمشت عن واقع الحياة لأسباب سياسية واقتصادية وعرقية، ولم تجد من يسمع أنينها وصرخاتها، ثم أضاف: "عالمي الرواية والقصة أنصفاها بعدما امتلأ الأدب العربي بقصص هذه الطبقات، حيث كانت معاناتها موضوع كثير من الروايات"، وأكد -مختتمًا حديثه عن هذا الجانب على المستوى الأدبي العام- أنه في الآونة الأخيرة كثُرت مصطلحات تصف أصحاب هذه الأعمال بأنهم منحازون لهذه الطبقات المظلومة في الجلسات النقدية للأعمال الأدبية، حتى شكل الاهتمام بهم ظاهرة أدبية، وسُمت بها بعض أعمال الروائيين، -حسبما قال-.
كان ذلك ظُهر الثلاثاء، 31 مارس، في الجلسة الأولى لمشروع "مصر المبدعة"، الذي كانت من تقديم الأديب منير عتيبة، بعد المؤتمر الافتتاحي له، الذين تم عقدهما بمكتبة الإسكندرية والذي يُعد أول حلقة في سلسلة مؤتمرات سيتم تنظيمها في جميع محافظات مصر؛ لاكتشاف وتقديم جيل جديد من المبدعين المصريين الشباب، وكانت الأعمال ونقادها كالآتي: "بوابة رقم 10" لعمرو الرديني ومعلقه الدكتور أحمد فرح، "ذاكرة جرح" لرانيا حمدي و"فورمالين" لشريف الغنام ومعلقهما محمد عطية محمود، "رئيس جمهورية العالم" لسامح بسيوني ومعلقه ممد مخيمر، "عمى عدسات" لعبد الله عنتر ومعلقه نجلا سعيد.
وأسرد "فرح"، تعليقاته النقدية على العمل الأول "بوابة رقم 10" للكاتب عمرو الرديني، حيث قال أن الرواية تعتبر مثالًا لنموذجيًّا لما بدأه من كلام بهذا الصدد، فشخصيات الرواية بائسة ومشوهة وشبه منعدمة، ونادرًا ما تكون في دائرة الضوء، ولمح إلى أن الرواية أخذت على عاتقها إضاءة البقاع المظلمة في داخل شخصياتها، وفضح المستور ومواجهة القاريء بحقيقة مؤلمة، وعلى مستوى الزمن، تخضع الرواية لسطوة الزمن الكرنولوجي، فالأحداث كلها تقع صباحًا ومساءً، كما تناثرت الرواية بعض الرجوعات إلى الوراء، وجاء فضاء الرواية محدودًا بصور المجمع وحجرة الأمن التي تمثل العالم الصغير بأشيائها المتواضعة، إلى جانب بعض الأماكن الأخرى، مثل: حجرة التحقيق، المسجد، نقطة الأمن والبوابات الأخرى، والتي مارست دورًا في منح المكان طبيعته، أما عن لغة الرواية، فقد جاءت بسيطة متوافقة مع سلوك الشخصيات، وجاء تقديم كل مشهد بأبيات من شعر العامية لإحداث مراوحة بين إيقاع الشعر وإيقاع النثر، ولكسر رتابة السرد، كما مثلت هذه الأبيات إطارًا فنيًّا لكل مشهد، وفي نهاية الحديث، أشار فرح إلى أن رواية "بوابة رقم 10" تُعد محاولة جادة لرصد التحولات الاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري ووشخوصه في فترة مهمة من تاريخ مصر المُعاصر.
جاء ثانيًا في النقد والتعليق، العمليْن: "ذاكرة جرح" لرانيا حمدي، و"فورمالين" لشريف الغنام، حيث استهل الأديب محمد عطية محمود كلامه بأن تجربة الكتابة تمثل لدى كل موجة من موجاتها ملمحًا مائزًا أولها بطبيعة الحال هو البيئة التي يولد فيها الكاتب، إضافةً إلى الثقاقة التي يستقي من نبعها على مدار سنوات التعلم والتأقلم معًا، وعنون "عطية" المقطع الثاني من حديثه بـ"من التقليد إلى رحابة المغامرة الإبداعية"، حيث في نصوص "ذاكرة جرح" نجد هذه الإطلالة على الواقع الذي يشكل ذاكرة السارد/ المسرود عنها، وفصل تفصيلًا، القول عن هذا العمل، ثم انتقل إلى تجربة "شريف الغنام" في مجموعة "فورمالين" التي –كما يقول "عطية"- يتصارع فيها مفهوم العبث الوجودي مع تلك المفردات المادية المحيطة ببيئة الكتاب، مع كل تلك العناصر النفسية والاجتماعية التي تشكل وعيه السردي والحكائي المُستَمد من تلك البيئة، ووعيه القرائي المُستَمد من مدلولات التغيير بهذه البيئة المُحيطة لتأخذ أطوارًا ومفاهيمًا جديدة للحياة وتداعيات حوادثها وعوارضها، نحو آفاق مغايرة من آفاق التشكيل بالسرد، انطلاقًا أيضًا من موروث تقليدي يثبت دعائمه في سياق النصوص التي تتراو أيضًا بين التقريرية ومحاولات الانسلاخ.
"حينما يشرع المبدع في إصدار إبداع جديد.. هل يضع ببالهِ قارئًا معينًا أو فئة معينة من القراء؟ هل يهدف إلى انتقاء قرائه أم إلى الوصول إلى لأكبر عدد منهم باختلاف ذائقتهم وثقافتهم؟ وهل يصلح النص الواحد لكل أنواع القراء".. بهذه الأسئلة بدأ الكاتب والأديب محمد مخيمر، حديثه عن مجموعة القاص والكاتب سامح بسيوني "رئيس جمهورية العالم"، حيث أشار إلى أن هذه الأسئلة جالت بخاطرهِ حينما قرأ المجموعة، خاصة –وكما يقول- في ظل وجود فجوة واسعة، تزداد اتساعًا بين المبدع والمتلقي، ثم وعن "لوحة الغلاف" الذي صممها الكاتب المبدع أحمد الملواني للمجموعة، قال أنها اُختيرت أن يكون لون خلفيتها هوَ الأحمر الدموي، وأن تحمل كلمة "رئيس" راية سوداء مائلة متهتكة كرايات القراصنة وكرمز للموت والسقوط، مُعلَّقة في كلمة "جمهورية" و"العالم"، كما اختار أن يكون هتلر المعروف بدمويته وديكتاتوريته هوَ الأيقونة "الأفاتار" الذي تصدر بآذان مفلطحة وبعيون أنثوية متشيطنة لوحة الغلاف، وبالتالي كانت اللوحة هي أولى الإشارات لما سنجده داخل دفتيْ الكتاب.
وكان ملخص المجموعة كما أشار مخيمر، أنها تتكون من أربعة إهداءات وتمهيد وثلاث قرارات جمهورية وثمانية عشر نصًّا وصية، وعن الخصائص الحداثية فيها، قال أنها تعتمد على المنطق الحداثي الذي ينطلق من وعي الكاتب بالكيفية التي ينطلق منها للوصول إلى ذائقة القارئ وقدرته على التأثير فيه، فيكون اهتمامه بإثارة القلق والفوضى لتحقيق نوع من المتعة والتشيق لدى القاريء عبر التركيز على الذهنية، كما يقوم هذا المنطق الحداثي في الكتابة على بعض الخصائص التجريبية على مستوى السرد، مثل: (كسر التماسك واستبداله بمنطق التفكيك والتشتيت، ذوبان الحدود الفاصلة بين الضمائر وتعدد التنقل بين لسان الرواي العليم والراوي المتكلم، نفي الإيهام بما يؤدي إلى الالتباس والتصدع وانعدام اليقين.)، وكانت: (الثنائيات، المعادلات الموضوعية والبطولة المطلقة) الآليات التي استخدمها الكاتب كي تساعده في الوصول إلى هدفه المنشود، وكان "سامح بسيوني" بكل هذا من ما تم ذكره في الخبر وغيره أول رئيس يعترف بفشله وفشل عالمه وفشل رجال ونساء عالمه، فيقرر التنحي عن سلطاته قبل أن يغلق القاريء الكتاب، مانحًا إياه الفرصة في تقييم هذا العالم وإعادة قراءته ومحاولة تحمل مسئوليات الرئاسة، والأهم من كل ذاك أنه منحه فرصة عدم انتخابه مرة أخرى.
وفي ختام الجلسة الأولى من المؤتمر، بدأت الأديبة نجلا سعيد تعليقها على مجموعة "عمى عدسات" لعبد الله عنتر بتوطئة، ذكرت فيها أن رولان بارت يعرف الشخصية بأنها: "ناتج تجريبي يمكن أن يتكون من مجموعة من التيمات التي تتكرر فتكون تركيبة قادرة أو تركيبة معقدة عندما تضم علامات متناسقة أو متنافرة، هذا التعقيد –أو هذا التعدد- هوّ ما يُحدد شخصية الشخصية"، ثم تحدثت عن شقين مهمين، الأول: "الدور العاملي للشخصيات في إنتاج المحكي" حيث سعى جريماس إلى إيجاد صلة بين أدوار الشخصية ووظائفها اللغوية في علاقات عاملية، تشكل نماذج محددة، مثل: (الذات-الموضوع، المرسل-المرسل إليه، العامل المساعد-المعارض)، والثاني: "بناء الشخصية في المتخيل السردي"، فإنه يرى الدكتور عز الدين إسماعيل أن شخصيات القصة نوعان، هما: الشخصية الجاهزة، والنامية، فبدا جليًّا من خلال هذه الدراسة الإجرائية أن مجموعة "عمى العدسات" تزخر بعالم شديد الخصوصية من الشخصيات التي وإن بدت متنوعة ومتابينة في ملامحها الثقافية والاجتماعية والجسدية، إلا أنها جميعًا تشترك في ملامحها النفسية فهي شخصيات مأزومة تعاني حالات الانسحاق الروحي والجسدي تحت وطأة واقع بالغ القسوة، شديد الجهامة، دفع بها رغم إرادتها إلى مهاوٍ سحيقة من الفشل والضياع واليأس، بل وإلى الموت، -حسبما أسردت "سعيد"-.
وعن الجلسة الثانية في المؤتمر، الذي قدمها الأديب مختار سعد شحاته، عنون الأديب أحمد الشيخ كلمته -التي تُعد الأولى- في الجلسة بـ "القصة المصرية القصيرة وتواصل الأجيال" حيث قال بهذا الصدد أن للقصة المصرية تاريخًا ممدودًا ورثناه من عصر الفراعين، الذين قدموا لنا في بردياتهم حكايات ومواقف قصصية، وهو تاريخ حافل صاغه لنا في "موسوعة مصر القديمة" الرائد الدءوب سليم حسن، وأضاف: "بدا لي وأنا أقرأ المجموعة كلها دون أن أسمح لنفسي بتفويت قصة لتكتمل الصورة وأراه بإيجابياته الكثيرة وبعض الملاحظات العابرة التي يلزم أن نتحاور فيها ليكون لما كتبناه فائدة لنا وله ولكل من يقرأ هذه السطور"، وأشار إلى ن "التفصيل الممل لفضيحة" يتدث عن منتديات الإنترنت والدعوة للجنس الجماعي، وعدم الشبع من الممارسة، وخيانة زوجية يقتل فيها الزوج صديقه الذي خانه معها وتعترض هيَ عليه وتؤكد له أنه سوف يخسر كل أصحابه وكأنها تبوح له بأنها تخونه معهم أيضًا.
"بين سجن الروح وسجن الذات".. هكذا عنوَن الدكتور أحمد المصري قراءته في مجموعة "كلنا سجناء" لرباب السنهوري، وقال أن المجموعة تقع في ست وتسعين صفحة تضم بين دفتيها أربع عشرة قصة متنوعة تعني برصد حركة الواقع والمجتمع، وتنحاز إلى المهمشين والبسطاء والمقهورين، جاعلةً من ذلك واقعًا مجاورًا لواقع الحياة، يستطيع تجاوز قوانين الحياة القاسية، وأشار في حديثه إلى عدة أشياء مهمة، الأولى: دلالة العنوان، سجن العقل والفقر والوطن والمشاعر والأحاسيس، الشخصيات وطريقة رسم الكاتبة لها، لغة الكاتبة، كما عنوَن مجموعة "لست بأنثى" لشيماء زايد بـ "هيباتيا لن تقتل بعد اليوم"، حيث أكد أن الكتابة فعل يتطلب شجاعة ومغامرة، والكاتبة إذ تدخل في غمارها فعليها ألا تكون صورة من الآخرين بل يحققها ذاتيًا في الكتابة أن تكون ذاتها، وهذا وغيره بالضبط ما سعت إليه الكاتبة في مجموعتها التي تحتوي على ثلاث وعشرين قصة تعني بهموم المرأة وتبرز معاناتها في مجتمع ذكوري ضاغط على مشاعرها وأحلامها، محدد لطموحاتها وتطلعاتها، وقد واجهت هيَ هذه الضغوط بالسعي إلى إبداع سردي يحمل على عاتقه تجاوز الواقع الاجتماعي الأليم وصولًا إلى المُساواة بين الرجل والمرأة، وكان الإشارة التي أشار إليها المصري في القراءة الأولى مُشابهة للثانية في: لغة الكتابة، كما قد أضاف: عتبة العنوان، عتبة الإهداء، من العتبات إلى المتن، القهر الذكوري للمرأة، التمرد على السلطة الذكورية، التكثيف، شعرية الأسلوب، وأخيرًا: تنكير الشخصيات.
واختتمت الأديبة سلوى بكر الجلسة الثانية، بقراءة بعنوان "سفرا الغرباء وشهادة للتاريخ"، حيث أكدت أن ثورة الخامس والعشرين 2011، ستظل موضوعة روائية غنائية، ومادة ممكنة للإبداع على مدى سنوات قادمة، فهذا الحدث الجسيم، بدا كالزلزال المفاجيء لسيرورة الحياة المصرية، وأشارت إلى أن رواية الكاتب محمد ذهني "سفر الغرباء" واحدة من الأعمال الإبداعية القليلة التي صدرت بعد هذه الثورة بحوالي سنة واحدة فقط، وبينما كان الحراك الثوري يفعل فعله في الحياة المصرية، وبالرغم من ذلك ستكون رواية مرجعية من حيث تأريخها لما لم يدونه التاريخ المُعتاد، إذ أنها تستعرض من منظور مواطن عادي غير منتمِ حزبيًّا أو سياسيًّا، جانبًا من أحداث الثورة، وهوَ استعراض ذو طابع تأملي لتحولات الجماعة البشرية المصرية في لحظة تاريخية خاصة ومن منظور تراجيدي كاشف لبعضِ من ملامح الشخصية المصرية بكل ما فيها من قوةٍ وضعفٍ وتردٍ، وكل ما آلت إليه ملامحها في بلد عانى الكثير والكثير على مدى ثلاثة عقد، فانفجر أهله بهذه الثورة غير المسبوقة في التاريخ، وتابعت الحديث في أربع نقاط أساسية: الضحية والجلاد، المهنة الصعبة، المرسل والمرسل إليه، المكان والتاريخ.
"على مدى ثلاث وعشري قصة قصيرة، يرسم هيثم الوزيري لوحة فيسفائية لحياة معيشة تتلون بالقبح والجمود القيمي والنفاق الاجتماعي الصادم".. بدأت بكر قرائتها لـ "الوفاة المؤلمة لريسكي" بهذه المقدمة، وأشارت إلى أنه لا تشكل قدرة الكاتب على الإمساك بمواطن الضعف والتشوه في الحياة القيمة الأساسية في هذه القصص، ولكن قدرته تتبدى أيضًا في إنتاج قيمًا جمالية تتبدى أولًا وقبل كل شيء في التكثيف السردي، بغية الوصول بأقصر الطرق وأسرعها إلى جوهر الخطاب المبتغى من القصة، وأضافت "المفارقات الإنسانية من أهم مصادر القيمة في هذه القصص، وبالرغم من كونها صادمة بمجملها فإنها كاشفة لمفاهيم مغلوطة عن الذات وعلاقتها بالذوات الأخرى"، واختتمت حديثها قائلةً: "وربما كان عدم التوفيق الوحيد في هذه المجموعة القصصية هو عنوانها، فهناك قصص أكثر أهميةً وعمقًا من القصة المسماة بعنوانها هذه المجموعة، أكثر دلالة على عوالم المجموعة ومدى غناها وقدرتها على طرح إشكالياتٍ إنسانيةٍ عامة وخاصة".
قالت الدكتورة عزة بدر أن رواية أحمد الملواني تطرح أسئلة الوجود علي البشر، من خلال ما امتلكه الكاتب من قدرة على التخيل والتصوير ورسم الشخصيات، وقدرته على إدارة الصراع الدرامي، استطاع أن يصور أزمة الإنسان وصراعه مع ذاته ومع الآخر ليطرح أسئلة أكثر عمقا فيما يتعلق بالوجود الإنساني ويبدو صراع بطل الرواية هو نفسه صراع الإنسان مع ذاته وواقعه في كل زمان ومكان، وهو ما يطبع الرواية بطابع إنساني مرهف وعميق.
أشارت بدر عن الأزمة الوجودية يبدأ الكاتب بالتحدي لبطل الرواية تماما كما بدأ مع آدم أول البشر رحلة إغواء ومقاومة، وكما بدأت الحياه بستار يرفع عن بشري واحد، لكن "كالوس" يريد أن يختتم عمله بإغواء آخر البشر كما أغوي أول البشر، تحيي الرواية إراداة بطلها آخر سلالة البشر بعد صراع داخل دوائر مُحكمة من لعنة اليأس وبصيص من الأمل.
قالت الدكتورة عزة أن الكاتب اعتمد في روايته على حكاية من داخل حكاية وسرد من داخل سرد ليثير خيال القارئ، ويدير دفة موجات من التمرد تزكيها حدة التساؤلات عن مصير بين رحلة اليأس والأمل، وهنا تلعب الطبيعة بعناصرها دورًا مهمًا في هذه الرواية، فالجبل هو الأب، والشمس هي الأم، والرياح هي الرفيق اللاعب والملاعب الذي يرمز لتغير الظروف والأحداث حيث ينثر بطل الرواية رمل أسئلته، يرسم ببوصته علي الرمل، ويتساءل أهي الرغبة في ترك هذا الأثر البسيط ما يحركني؟ أم هي استساغة اليائس للعبة يائسة مع الرياح؟، ألقي إليها بدائرتي فتهز ذيلها وتجري ككلب لطيف لاقتناصها.
أكدت بدر أن الكاتب يثير اسئلة آخر البشر من خلال بطله الذي يقابل العبد الصالح الذي يعلمه الذي يعلمه الحكمة وربما هو "كالوس" مخلوق النار الذى يظهر في ثوب عبد صالح...يظل ذلك غامضا في رحلة سرد تسير ببصيرة طائر يحاول أن يشق طريقا لجناحيه بين سحاب غائم.
قالت بدر اصبح بطل الرواية محاصرا بين مأساته الداخلية عندما اكتشف خداع المرأة التي أحبها وتعويذتها التي أرادت بها أن تبقي فاتنة ساحرة في عينيه بينما هو يشيخ، فأعادت إلي ذاكرته خداع الرجل الذي بدا صالحا ثم سرقه، ويصف السارد المجال للكشف عن المناجاة الداخلية للرجل الأخير والتي تكشف عن مأساته ثم يكشف الحوار بينهما عن هذا الصراع بين المثالي والواقعي.
يعتبر المشهد النهائي عن سؤال الوجود الحائر، هل آخر البشر هو كامن أم هو العبد الصالح الذي يتبعه آخر البشر صاغرًا وهو لا يعلم أنه كالوس، هل يتبع الأماني والبرق الخلب والسراب بلا إرادة، هل هناك جزء غامض من نفسه... قبضة من نار أو من تراب نثرها كالوس في وجهه فبات لا يميز غموض نفسه وما يساكن حناياه؟، وهل الإنسان هو كل هؤلاء الصالح والطالح..كامن وكالوس معاً؟، بداخله كل كوامن الخير والشر معاً.
قالت الدكتورة عزة بدر أن المجموعة القصصية لشيرين طلعت تقدم لحظات مقطرة تحدث نقلة في الزمان والمكان، أو تؤسس لنهايات مفتوحة تثير مخيلة القارئ، تمتعنا بلحظات من الدهشة، لحظات تثير الأفكار حول الدلالات العميقة للكلمات التي تمنح إشاراتها بمهارة، وتعطي نفسها بسخاء لتلتقط صورة، أو تجسد مشهدًا عابرًا.
وأضافت بدر أن القصص القصيرة جدا في هذه المجموعة قصة "عطر" حيث تحدث نقلة في الزمان، وتغيرًا صارخًا في لون العطر الذي تحول إلى دم بعد عدة أفعال لا تشي بالمباغتة ولا بروح المفاجأة. وقالت بدر ان الكاتبة برعت في غزل القصص القصيرة جدًا التي تعتمد علي عنصر المفارقة ومنها قصة "مكابرة"، وقصة "احجية"، وقصة "قفص"، وقصة "بائع الوهم".
أضافت بدر في قصة "مكابرة" تصور الكاتبة شخصية بطل القصة في لمحة يضئ لها عنوان القصة مساحة مناسبة فتقول "تعهد الطرق على الأبواب إلى أن صادفها.. أعطته المفتاح ولكنه لم يدخل"، وفي قصة "أحجية" تتبلور حالة بطلة القصة...الفتاة صاحبة الدمية فهي في حال الرثاء على النفس حيث يشف المشهد بكلماته الدالة، وعباراته المكثفة مستترا بالحديث عن الدمية ليكشف الستار بكلمة واحدة عن حال صاحبة الدمية، وفي قصة "قفص" تتجلي كل مظاهر الحرية والانطلاق، والتغريد، ورفرفة الأجنحة لتعلن حب عصفور لرفيقته، ولكنه حين الزواج أهداها قفصاً، وفي قصة "بائع الوهم" ترصد الكاتبة لحظة فارقة في حياة بائع الوهم، لحظة حب قامت بدور التغيير فتقلته من حال الي حال.
أشارت بدر ان القصص القصيرة جداً تميزت بعمق الدلالة إذ تتواشج فيها الصور وتتواتر لترسم ملامح الشخصية الرئيسية، ففي قصة "اللقاء الثاني" تقول الساردة معتمدة في تصوير المشهد علي أفعال ماضية متواترة، تنتهي بحادث كاشف لطبيعة الشخصية التي لم تعشق إلا نفسها.
أضافت بدر تميزت القصص بالتقاط التفاصيل التي تشي بمصائر العلاقات الإنسانية، تفاصيل مادية ولكنها ذات أبعاد معنوية واضحة وذلك في قصة "بالكراميل" وقصة "نزوة" قالت لم تخل قصص المجموعة من عنصر المفاجأة، فهي ترسل برقية مكثفة المعاني لتنتهي بفعل كاشف عن طبيعة الشخصيات في القصة، وطرائق سلوكهم.
تحدث عمر شهريار عن قصة "أنا اليوم وحيدة" للكاتبة إيمان السباعي وقال ان المجموعة تنبنى جملة من التقنيات الجمالية التي تعتبر ركيزة رئيسة في قراءة النصوص السردية بين دفتي المجموعة، إذ تعمد في عدد ليس بالقليل من قصص المجموعة إلي رسم لوحات سردية تعتمد على الوصف الخارجي للحدث والشخصيات، مثلما نري في قصة "عينان" التي ترسم فيها الساردة حياة فتاة شفيت من العمي، لكنها على ما يبدو أصبحت تصطدم بالأشياء بعد أن عاد لها البصر، فاضطرت لأن تسير مغمضة العينين، بعد أن أخافتها الوجوه الصارمة والودودة علي السواء، إذ تبدو المفارقة جلية في هذا النص، كما أن التكثيف الواضح في النص يجعله أقرب إلي الومضة أو الأبيجراما القصصية المفعمة بالدلالات علي كثافتها، حيث لا تتعدي القصة ستة سطور تقريبًا، لكنها تكتنز في ثناياها حمولات دلالية وأسئلة وجودية تفيض عن مساحتها المحدودة.
أضاف شهريار ان الساردة تعتمد في قصص أخري علي رسم مجموعة من اللوحات السردية، وتضعها إلي جوار بعضها البعض، ليخلق هذا التجاور بنية النص القصصي، مثلما نري في قصص متعددة مثل "عزف منفرد" و"حكايات بنات" و"سيرة ذاتية" حيث نري مجموعة من المشاهد التي تبدو متباعدة زمنيا لكن تجاورها داخل فضاء النص يخلق النسق الدلالي الذي تريد الساردة تمريره، حيث يتجاور في كل قصة من هذه القصص ثلاثة نصوص كل منها له عنوان جانبي، بحيث يمكن قراءتها منفردة كقصة.
تحدث شهريار عن "نقوش حول جدارية" للكاتبة دعاء إبراهيم، التي يدور بينها حوار وصراع علي الوجود، وتأخذ تيمة الغياب مكانة مركزية في جل القصص، حيث نري دومًا أشباح وأطياف للراحلين، سواء كان هذا الراحل الغائب هو الأب أو الجد أو الجدة أو الحبيب، ويمثل هؤلاء الراحلين طوق نجاة سرعان ما يأفل ويغيب، ومن ثم تظل الذوات المروي عنها متعلقة بهم وبأشباحهم، تستحضرهم دومًا بوصفهم جدارية لا غني عنها للأبطال الصغار المروي عنهم، والذين يصبحون في هذه الحالة بمثابة نقوش صغيرة تدور حول تلك الجداريات، وتقيم حوار افتراضيا معها.
أشار شهريار أن معظم القصص تنبني جماليا، علي تقنية المونتاج السينمائي، فتأتي أغلب القصص في صيغة مقاطع ومشاهد متوالية تتراوح بين مشهدين في الحد الأدنى وثمانية مشاهد علي الأكثر، سواء أخذت هذه المشاهد عناوين صريحة، مثل "مشهد أول" و"مشهد ثان" أو جاءت في صيغة مشاهد مرتبة رقميا، وتتضام إلي جوار بعضها البعض لتشكل الحدث وتحولاته، التي لا تنبني علي أسس علية أو سببية، بل أقرب للتنامي الشعوري أحيانا.
تحدثت هالة البدري عن قصة "تأكل الطير من رأسه" للكاتب مصطفي ذكي حيث تأخذك قصصه إلى عوالم حميمة الطريق إليها موسد بلغة فصيحة واضحة، تسرقك مما حولك بسرعة لتستغرق في أحداثها بل لتصبح أنت نفسك قطعة من الفسيفساء التي تكون اللوحات المتتالية للقصص.
قالت البدري ان مجموعة "تأكل الطير من رأسه" هي المجموعة القصصية الثانية بعد مجموعته الأولي "مشهد من ليل القاهرة" الصادرة عن دار العين في القاهرة عام 2010، وهي مجموعة لفتت الأنظار للكاتب الذي كان قد نشر بعض قصصه في عدد من الصحف.
أضافت البدري بأن قصص تأكل الطير من رأسه تقع بين قوسين الأول هو المدخل أي رغبة ديدالوس في الخروج من المتاهة مع ابنة بالطيران بالرغم من علمه أن ابنه لن ينجو، والقوس الثاني هو الخروج ومنه نعلم أن الاقتراب من الشمس هو الخلاص الذي يعتمد على معرفة الحقيقة حتي لو أدت إلي الغناء الذي يقره الأب، تدور الشخصيات من متاهتها بحثًا عن خلاص ما...بعضها يفلت من قدره، وبعضها لا يستطيع.
وأضافت البدري أن في قصص مصطفي ذكي يلعب الحلم دورا أساسيًا في خلق حياة موازية يعيها بطلها أحيانًا ولا يعيها في أحيان أخري لكنها تظل بالنسبة إليه مهربا حقيقا من واقع مخيف.