المؤشرات الكمية لا تعرف المبالغة, فهي تعكس تفاعلات التراكم دون إنحيازات مسبقة وهذا تحديداً ما كشف عنه مؤشر الاحتياطيات غير الرسمية بالنقد الاجنبي لدي البنك المركزي الذي سجل صعوداً ملحوظاً لأول مرة في نهاية شهر يونيو الماضي وصل إلي 375.6 مليون دولار مقابل 36.5 مليون دولار فقط في نهاية الشهر السابق كما كشف تقرير لـ”الخبر الاقتصادي”, وهو ما يعني عودة التعافي “النقدي” تدريجياً إذا استمر المؤشر في النمو شهراً بعد آخر رغم سخونة التطورات السياسية وإرتفاع حرارة ميدان التحرير في هذه الفترة.
وإذا كانت هذه الاحتياطيات غير مدرجة ضمن الأرصدة الرسمية التي يتم استثمارها في الخارج إلا أنها تمثل مؤشراً بالغ الاهمية سواءاً من حيث كونها دالة علي زيادة حصيلة البنوك من الودائع بالعملات الاجنبية بإعتبار هذا الرصيد متغير تابع لمستوي الاحتياطي الإلزامي الذي يفترض أن تحتفظ به البنوك لدي “المركزي” وبالتالي كلما نما الرصيد فإن ذلك يعني مباشرة نمو أرصدة الودائع بالعملات الاجنبية, أو من جهة كونه خط دفاع أول ضد تقلبات سوق الصرف وحدوث طفرات مفاجئة في معدلات الطلب علي النقد الاجنبي حيث تكون هذه الأرصدة أول ما يتم اللجوء إليه من جانب السلطة النقدية لمواجهة أي تهديد محتمل لحالة الاستقرار النقدي كما حدث في عمليات المسحوبات التي واكبت الايام الأولي للثورة.
وبالرغم من أن ما طرأ من فائض طفيف مؤخراً لا يعوض المليارات السبعة التي خسرتها الاحتياطيات غير الرسمية التي لا يتم إدراجها ضمن الاصول الاحتياطية لدي البنك المركزي إلا أنها تمثل بادرة ينبغي الدفاع عنها وتهيئة المناخ امام تراكم أكبر لها في المستقبل القريب دعماً لعملية التعافي “النقدي” التي تعد عملية تفاعل متواصلة لا ينبغي أن تشوبها انقطاعات حادة تعمل علي تبديد هذا الرصيد مجدداً.
لذلك ينبغي أن تأخذ الحكومة وكذلك المجلس العسكري في اعتبارهما أنه لابد من التفاعل الصحي والايجابي مع تطلعات الرأي العام وتفادي المواقف الاحادية الصلبة التي تتخلي عن إستيعاب تلك التطورات حفاظاً علي ما تحقق في الفترة الماضية رغم صعوبة الوصول إليه, لإن كل من الحكومة والمجلس هما الكيانان الأكثر قدرة علي ادراك ابعاد تكرار المغامرة بإستقرار الاوضاع الاقتصادية وانعكاساته السلبية علي استقرار الدولة بوجه عام خاصة بعد تداعيات سجال عجز الموازنة والتدخل القسري لخفض نسبته نحو 3% دفعة واحدة.
إذا كانت أرصدة الاحتياطيات غير الرسمية قد استطاعت النمو رغم الضغوط السياسية والاجواء غير المواتية فإن الوصول إلي مزيد من الاستقرار سيهئ المزيد من فرص النمو امامها.. ولنجعل زخم وسخونة “التحرير” رصيد إمداد معنوي لها إذا تم التعامل مع المطالب المرفوعة برشادة ومسئولية وطنية حقيقية.
هكذا يمكن إنضاج التعافي “النقدي” ليعود مفتاح التعافي “الاقتصادي” بوجه عام.